Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي خضران القرني

من حكايات الماضي

A A
الحكايات التي أوردها -أحياناً- في بعض مقالاتي، عشتها (حياة وواقعاً) وخالية من الخيالات المصطنعة، أتوخى فيها الإفادة واتسامها بالقيم والمروءات التي جبل عليها المجتمع السعودي على مدى الحقب والأزمان الماضية، ورأيت أنها تنبض بالعبر والدروس والفضائل للأجيال الحاضرة والقادمة وتربط ماضينا المجيد بحاضرنا المزدهر.

ففي أوائل عام 1378هـ كنت مسافراً أنا وأحد زملائي من الرياض للدمام بسيارة خاصة ونيت داتسون غمارة واحدة، في عطلة آخر الأسبوع، وبعد مضي 80كم في اتجاه الدمام ليلاً وعلى جانب الطريق أومأ لنا شخص يطلب إسعافه لتعطل سيارته الجمس نتيجة بنشر أحد إطاراتها الأمامية، ومعه عائلة كبيرة، وبعد المعاينة اتضح أن الاستبنة الموجودة لديه تحتاج إلى إصلاح إضافة إلى عدم وجود عفريتة لديه وعفريتة سيارتنا أقل حمولة، فحملنا الاستبنة أنا وزميلي وعدنا للرياض لقرب المسافة، وقبل الوصول للرياض بـ(40) كم وجدنا (محل بنشر) وقمنا بإصلاح الاستبنة وتغيير اللستك الموجود بداخلها واستعرنا عفريتة منه بمقابل مادي، وعدنا لصاحبنا، وتم تركيب الاستبنة وواصلنا وإياه المسير نحو الدمام وعلى مشارفها ودعنا بعضنا وتبادلنا الشكر والأسماء والعناوين، واتضح أنه مسؤول فني في مستشفى الشميسي العام ورغم المتاعب التي واجهتنا أنا وزميلي إلاّ أننا كنا سعداء وفخورين بهذا العمل الخيري تأسياً بقول الشاعر:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

ومرت أيام وشهور على هذا الموقف، ويحصل على أحد زملائي في العمل حادث سقوط من الدور الثاني في العمارة التي يقوم بإنشائها في أحد الأحياء السكنية ويُصاب بكسر في إحدى فخذيه وشجة في مقدمة رأسه، وينقل إسعافياً لمستشفى الشميسي العام، وتتصل بي والدته وتخبرني بالأمر وطلب مساعدتي، واتجهت في الحال للمستشفى، وإذا به قد أدخل قسم الطوارئ وعملت له الإسعافات الأولية، وقررت له عملية في اليوم التالي وكان الوقت حينها (عصراً) فتذكرت صاحبنا الذي أسعفناه في طريق الدمام، وسألت عنه ومن حسن حظنا أنه كان مناوباً، وقابلناه والفرح يرتسم على محياه، وأخبرناه بالأمر واتجه على الفور لقسم الطوارئ، وأجريت العملية لزميلنا على الفور بدلاً عن الصباح، وخلال سويعات بشرنا بنجاح العملية ونقل إلى قسم العناية وشكرنا صاحبنا على جميل صنعه، وقال وهو يودعنا كنت أترقب الساعة التي أرد لكم فيها لو جزءاً يسيراً من موقفكم الإنساني معي أنا وعائلتي، وظل زميلنا بالعناية والمتابعة والاهتمام حتى منّ الله عليه بالشفاء والخروج بالسلامة.

* خاتمة:

وهكذا يظل رد الجميل ديناً يُطوق عُنق من أُسْدِي إليه حتى يرده، وهي عادة سادت، لكنها تضاءلت عند من لا يقدرها وخاصة في هذا الزمان، وفي الحديث (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له).

وفي هذا قال أحد الشعراء القدامى شعراً بات مثلاً يستشهد به في نكران المعروف:

فعلنا جميلاً قابلونا بضده

وهذا لعمري من فعال الفواجر

ومن يفعل المعروف في غير أهله

يجازى كما جوزي مجير أم عامر

وأم عامر هذه يُقال أنها ذئبة سقطت في بئر فحن عليها أحد وراده فلما أخرجها أكلته! وقد وردت قصة هذا المثل في كتاب مجمع الأمثال للميداني وغيره من الكتب التي تهتم بالأمثال وقصصها قديماً وحديثاً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store