Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الهروب من لهيب إلى لهيب!

A A
لا تملك سلطانًا على الخيال، وأنت تستمع إلى «أسمهان» تردد رائعتها «ليالي الأنس في فيينا»، ينطلق حرًّا مُحلِّقًا، حيثُ طاب له الهوى، لكن خيالي معتقل في رُبَى الطائف، التي عرفتُ في زمنٍ بهي، وأنا أُردِّد مع أغنية أسمهان وعلى نغماتها: ليالي الأنس في «الطائف».. نسيمها من هوا الجنة.. نغم في الجو له رنة.. سمع لها الطير بكى وغنى.

الطائف المأنوس، مدينة الصيف والسهر، والأنس والسمر، لا تُشبه فيينا شكلاً ولا روحًا، ومع هذا تُمثِّل ذكرى ممزوجة بالشوق والحنين، لمَن أدمن الحياة فيها، وارتمى في حضن صيفها المتفرِّد في كل تفاصيله، عندما كانت «صيفية»، الطائف أحلى وأشهى من عسل الشفا، نعُب من شهد بساتينها الغَنّاء، المشرعة الأبواب لكل ألوان الأنس، وأغصان الشجر الطروب تنوء بأحمال الثمر، بطيب طعمه وحلو مذاقه وشدة لَهَفي عليه!.

كلما جاء الصيف بلهيبه، وغادرنا مدينتنا الجميلة جدة، هربا من الرطوبة والحرارة الخانقة، يأخذني الحنين إلى الطائف المأنوس، تلك المدينة التي كانت الوجهة الأولى لأهل مكة بشكلٍ خاص، لم تكن الصيفية إلا في الطائف والهدا والشفا، تجتمع العائلات في العصاري في البساتين، الدخول بمبلغ لا يتجاوز الريال الواحد في ذلك الزمن الموغل في القدم، القارئ من جيلي ربما يأخذه الحنين وهو يقرأ كلامي عن الطائف، ربما يهفو لصيفٍ في ربى الطائف، كما كان زمان، لكن كل شيء يتغير، هذه سنّة الحياة.

ليس الطائف الذي تغيَّر، حتى نحن تغيَّرنا، جاءت أجيال وراء أجيال، ارتبط صيفها بالسفر شرقا أو غربا، حتى أصبح عادة أو إدمانا لدى الكثير من الأسر، خصوصاً والإجازة الصيفية تعني انعتاق الأبناء من المدارس، وهي فرصة لتجمُّع الأسرة في بلدٍ ما، هروبا من حرارة الصيف ولهيبه.

كانت الحياة تتوقف تقريباً، فلم تكن هناك أنشطة ترفيهية أو فنية، كان كل نشاط تحت طائلة المحرم، قبل أن تضج كل بقعة، على خارطة وطننا الحبيب، بالفعاليات والمواسم والمهرجانات الفنية، «غنائية، سينمائية ومسرحية»، في كل مدينة، كذلك المدن السياحية؛ أصبحت مؤهلة لاستقبال السائح من الداخل والخارج، وهُيِّئت بشكلٍ فاخر ومدهش، إلا أن العادة غلَّابة كما يقولون.

الأسعار في كل مكان نار، حتى في القاهرة مع انخفاض قيمة الجنيه أمام الريال والدولار، يظن الكثيرون منَّا أن الوضع ينعكس على الأسعار فتنخفض، لكن للأسف الأمر غير ذلك، فالأسعار تتضاعف حسب قيمة الريال والدولار، خصوصاً للسائح أو الذي اعتاد السكن في الأحياء الراقية أو الفنادق، أتحدَّث عن تسوُّق الاحتياجات الأساسية، أو تناول الطعام في المطاعم الفاخرة، تأتيك الفاتورة بسعر خيالي، أتحدَّث عن آخر تجربة لي العام الماضي، لا أعرف كم ارتفعت الأسعار هذا العام.

في أوروبا الأسعار نار، لكنك حيث أنت في المناطق التي ترتفع فيها الحرارة صيفاً، تهرع إلى حيث الطقس أرق، ثم تكتشف أن هروبك من لهيب الحر إلى لهيب الأسعار!.

لماذا لا يعود الطائف مأنوساً بالمصطافين كما كان، رؤوفاً رحيماً في أجوائه الجميلة ونسماته العليلة وبساتينه الغنَّاء؟!.

جهودٌ كبيرة تبذلها الدولة لتهيئة المناطق السياحية لاستقبال السائح من الداخل والخارج، مع ذلك يقع العبء الأكبر على أهل المناطق السياحية والمستثمرين، لإعادة المناطق الزراعية والبساتين الجميلة التي تُبهج الناظرين، كما كانت سابقا.. المشاريع الترفيهية الحديثة مهمة للأجيال الجديدة، لكن جمال الخضرة يُغنِي عن ألف مشروع لكل جيل.

ما أقصده هو مسؤولية السكان في المناطق السياحية عن بذل الجهود لجذب السائح، والسيطرة على الأسعار مهمة جداً لاجتذاب السائح وإغرائه بالأسعار، وجودة الخدمات وتميُّزها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store