Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

الفكر الخلاق والفكر المنساق

A A
الفكر هو الكنز العظيم الذي وهبه الله تعالى للإنسان، هذا الكنز الذي يتمثل في كل العمليات الذهنية التي يؤديها المخ تجعله من خلالها يعرف ويحلل ويفسر كل ما حوله من المتغيرات الحياتية، ومن خلالها يحل كل المشكلات التي تعترضه ومن خلالها يكتشف ويبتكر ويخترع كل ما ييسر أعماله اليومية، وانطلاقاً من تلك العظمة التي يكتنزها العقل البشري جعلها الله تعالى أحد أهم الأدوات التي تدعم وحدانيته سبحانه والتي تدفع الإنسان إلى استنباط النتائج من المقدمات واستقراء المستقبل وأحداثة، لذا نجد الإله سبحانه يعاتب عباده على تجاهل ذلك الكنز ويحثهم على استخدامه كما في بعض العبارات التي تتضمنها الكثير من الآيات القرآنية مثل:

(أفلا يعقلون)، (أفلا يتفكرون)، (لعلكم تتفكرون)، (لعلكم تعقلون) وفي آيات أخر كقوله تعالى (فلينظر الإنسان مما خلق) وقوله تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) وقوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) وآيات أخرى كثر.

فكل الآيات والعبارات السابقة التي تضمنها كتاب الله تعالى تدعو إلى الفكر الخلاق الذي يدعو إلى الإستنباط والاستقراء للكون، وهذا يؤكد أن كل شئ على هذه الأرض ينمو ويتطور عن طريق هذا الفكر الخلاق، ولعل هذا ما نشهده من تطور مذهل في مختلف المناحي الحياتية، وهذا المطلب الرباني هو ما قام بتفعيله وتطبيقه الغرب أو فلنقل الدول المتقدمة غرباً وشرقاً فقدموا للبشرية تلك المنتجات التقنية البشرية التي يسرت لنا كل أمور حياتنا في الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك.

لكن المؤلم والمؤسف والمحزن أننا نحن أمة القرآن الذي نزل بلغتنا وخاطبنا الرب عن طريق نبي من أنفسنا لم نلتزم بتلك التعليمات الربانية وتجاهلنا ذلك الكنز العظيم الذي وهبه الله تعالى لنا لنسبر من خلاله أغوار الحياة كما فعل غيرنا واكتفينا فقط بذكر وتبجيل ما ذكره الآباء قبل عدة قرون وتقديس أصحابه فأهملنا ذلك الكنز الرباني العظيم حتى ضمر دوره فأصبحنا أمة ضامرة تقوم على استهلاك ما ينتجه الغير، وأصبح الفكر الذي نحمله يسوقنا نحو المجهول كالأنعام أو أضل سبيلا كما في قوله تعالى (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) وهجروا وتجاهلوا كتاب الله تعالى والصحيح من سنة نبيه فضلوا وأضلوا كما في قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) واكتفوا بما قال آباءهم كما في قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فهل نتجاوز ما قاله آباؤنا وخاصة الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ونكتفي بكتاب الله تعالى ونلتزم بأوامره في تشغيل فكرنا فنبتكر ونخترع ونبدع ونسهم بذلك الفكر في خدمة البشرية وتقدمها.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store