Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الهاربون إلى البؤس أو الموت!

A A
عندما أتابع الأخبار، وأشاهد مراكب المهاجرين المكدسة أو الغارقة، ولوعة أهلهم وأحبتهم على فراقهم الأبدي، أشعر بالحزن والأسى على تلك الأرواح، التي أبحر بها الحلم إلى الغرق والموت، ودفع أصحابها تحويشة العمر، وربما استدانوا، وحمَّلوا ذويهم أحمال ديون متراكمة ستظل جحيماً لقلوبهم، وكأنهم دفعوا ثمن قتل أحبتهم لتجار مراكب الموت.

لكني أحمد الله على ما تنعم به بلادنا من رغدٍ وأمنٍ وأمان، واهتمام بالشباب، فتيان وفتيات، وتطوير إمكانياتهم، وفتح مجال العلم في كل دول العالم، بينما الخيارات مفتوحة أمامهم للعمل والتفوق داخل الوطن أو خارجه، بكرامة وتقدير للمتميزين منهم.

في أوروبا تشاهد بؤس معظم المهاجرين العرب – معظمهم من قارة إفريقيا – القارة التي أنعم الله عليها بالخيرات، وأصبحت هدفاً استراتيجياً للاحتلال ونهب الخيرات، لكن دولها لم تتمكن من النهوض الاقتصادي والاجتماعي، رغم مرور عقود على تحررها - إلا من رحم - لذلك يبحث الشباب والشابات عن فرص عمل في أوروبا، رغم ظروف المعيشة الصعبة فيها؛ فالضرائب مرتفعة وكلفة الحياة مرتفعة، فيعيش في بؤس الكفاف والحاجة، بينما لو بقي في وطنه، وقَبِلَ نفس الوظائف التي يقبلها في الغربة، يكون في داره محفوظ مقداره.

صحيح أن الثورات والحروب الأهلية والاضطرابات دفعت بمواطنيها إلى الهجرة القسرية، حتى لو كان الموت يترصدهم في رحلة الهجرة، وإذا غنموا حياتهم لم يسلموا من تذوق الحياة البائسة، أو العمل في مهنٍ متواضعة لا تسد رمق، أو تغني عن حاجة.

ما الذي يجبر الإنسان على ترك أهله ووطنه؛ مهما كانت ظروف الحياة، إلا الحروب والدمار والخوف على حياته وحياة أسرته وأطفاله، فهو مجبر على الخروج بأي ثمن بحثاً عن الأمان؛ لكن على أمل العودة والعيش في الوطن، والمساهمة في بناء وتنمية الوطن مرة أخرى، كي يعيش أبناؤه وأحفاده بأمان.

الحروب الدائرة في العالم، وخصوصا في بعض الدول الإفريقية، وما حدث في سوريا، أمر مُحيِّر للعقل! لماذا كل هذا الاقتتال الذي خسر فيه الطرفان، والطرف الثالث الذي يقف في المنتصف ليس له مصلحة مع هؤلاء ولا أولئك هو الذي يبحث عن مهرب، فالموت والبؤس في البقاء وفي الهرب، مُجبَر أخاك لا بطل.

لكن الذي يعيش في رغد في وطنه، بين أهله وعشيرته، ثم يُغريه شيطان أنسي بالهرب من وطنه، ناسياً كل النعم التي أنعم الله بها عليه في الوطن، وينسى أنه لولا الوطن لم يتلقَ تعليماً، ولم يملك إمكانية السفر، أولئك ليس لهم مستقبل غير البؤس؛ بعد انتهاء الهدف من تحريضهم، وتحويلهم إلى أبواق تهاجم وطنهم وقيادته.

رأينا نماذج بشعة سقطت في الذل والمهانة، بعضهم يطلب العفو والسماح بعد أن ذاقوا الذل والبؤس.. أطلقوا على أنفسهم معارضة كذبا وزورا، رأيناهم يتسولون المارة؛ بعد أن كانوا يتلقون تعليمهم في أحسن جامعات أوروبا على حساب الدولة، ويقبضون مكافآت مجزية، ويعيشون في رفاهٍ يُحسَدون عليه.

من يمتطي قوارب الموت مهاجرا يبحث عن لقمة عيش، مع ذلك يواجه الموت أو البؤس، لكنه يظل مواطناً شريفاً، باب عودته إلى وطنه لا يزال مفتوحا، يستطيع زيارة أهله ورؤيتهم متى شاء، ومتى تحسنت ظروف وطنه، يعود مرفوع الرأس، ومَن يهرب من وطنه معادياً، يفقد إنسانيته وقيمته وكرامته، حتى بعد أن تُقبل عودته، لأن هذا الوطن كبير، وقيادته تحمل قلباً عفوَّاً متسامحاً، لكن المعادي العائد يسقط في عين مواطنيه، ولن يفارقه الشعور بالذل والمهانة.

لا تغادروا أوطانكم أعداء أبداً، مهما زيَّنت لكم شياطين الإنس الجنة التي تنتظركم، بل هناك الجحيم والبؤس في انتظاركم!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store