Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

تقنين الفضاء.. مسؤولية من؟!

A A
* بحسب الإحصاءات، تُعدّ منطقتنا العربية من أكثر مناطق العالم استخداماً لتطبيقات الانترنت.. مستخدمو تطبيق (تويتر) مثلاً في السعودية، وبحسب الشركة نفسها، بلغوا في العام 2022 أكثر من 14 مليون شخص، بينما هناك حوالى 5 ملايين مستخدم مصري للتطبيق نفسه، عدا تطبيقات فيس بوك وسناب شات وتيك توك وغيرها من وسائل التواصل، التي أصبحت هي السوق والحديقة والملعب والمنتدى والملهى الذي نقضي نحن وأطفالنا معظم أوقاتنا فيه!.

* فوضى لا تنتهي من الأيدولوجيات والأخبار الزائفة، والإعلانات المخادعة.. أكاذيب لهاربين خانوا أوطانهم، وتعديات سافرة على الذات الإلهية والأديان والرموز التاريخية، وترويج ممنهج للمثلية والإباحية يرفع درجة التقزز لديك إلى حدودها القصوى، والكارثة أننا نقف أمام كل هذا الهراء، موقف المستسلم الذي أُلقي في روعه أنه لا يملك سوى الحسبلة والحوقلة، أو كيل الشتائم في أحسن الأحوال لهذه التطبيقات، التي لا يوقفها عن الإنتاج ليل أو نهار.

* بالتأكيد أن لهذه التطبيقات الكثير من الإيجابيات التي لا يمكن إنكارها، لكن الفوضى والواقع غير المنصف يفرضان علينا التساؤل بجدية: لماذا لا يكون للدول المستقبلة القدرة على السيطرة (ولو جزئيًا) على محتوى هذه التطبيقات بما تراه مناسبًا لحمايتها أمنيًا وثقافيًا واجتماعيا؟! خصوصًا بعد أصبحت ساحة للشواذ والمرتزقة وشذّاذ الآفاق والمارقين، يهددون السِلم الاجتماعي، ويهدمون في لحظات ما تجتهد الحكومات والمجتمعات لسنوات في بنائه من قِيَم وأفكار سوية.

* بحسب مواثيق الأمم المتحدة، لكل بلد قوانينه وأنظمته وسياساته الخاصة، وله كذلك مصالحه الاقتصادية وهويته التي يجب احترامها وتقديرها، لا أن تُنتهك بهذا الشكل العلني.. ثم أليس من أبسط قواعد عدالة التعامل التجاري أن تشارك الدول في التحكم بما يدخل إليها، مقابل ما تنتفع به الشركات من مليارات تدخل خزائنها كل يوم و كل ساعة؟!.

* لا أريد أن أسرد كيف تتدخل معظم هذه التطبيقات في تقاطعات اللعبة السياسية هناك؛ فالأمثلة كثيرة ومعروفة للجميع، أمّا ادعاءات (حرية الرأي) السخيفة والمكرورة، فيكفي أن نُذكّر بما حدث قبل أشهر قليلة، وتحديدًا بعد اشتعال فتيل المظاهرات في بعض دول أوروبا، وكيف بدأت الأصوات تتزايد وتطالب صراحة بتقييد برامج التواصل الاجتماعي، وعدم ترك حبلها على الغارب للمتظاهرين، بينما لم نسمع هذا الكلام أبدًا عندما كان العالم العربي يحترق لسنوات من شرقه لأقصى غربه تحت دعاوي حرية الرأي والفوضى الخلاقة، وعدم كبت الشعوب!.

* إن قال أحد إن هذا الانتهاك جزء من سياسة أمريكية قديمة تعمل منذ قرون على فرض هيمنتها على العالم كله، فسأقول: ولماذا لا تقاوم المجتمعات العربية التي تملك -كما قلنا - سلاح الأعداد المليونية من المشتركين والمستخدمين، الذين يمثلون أداة ضغط مهمة وقوية جدًا، بحيث يتم استخدامها بشكل صحيح؟!.

* هذه ليست مطالبة بحجب الحريات وتكميم الافواه، بل دعوة لاحترام سيادة الدول وقوانينها، والحفاظ على المجتمعات من الذوبان الثقافي والتآكل الأخلاقي الآخذ في التزايد كل يوم، واحترام القوانين والأنظمة والأذواق العامة لكل دولة، وهذا أمر يمكن الاتفاق عليه وتنفيذه بمنتهى السهولة، بدلًا من أن يكون الخيار: إما الانفلات والفوضى كما يحدث حالياً، أو الحجب النهائي، كما تفعل بعض الأنظمة الديكتاتورية المستبدة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store