Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي خضران القرني

من حكايات القرية

A A
في حقب ماضية، كان أمر زواج الفتى أو الفتاة بعد الله بيد والدهما، وفي إطار القبيلة الواحدة، وليس على الفتى والفتاة إلاّ السمع والطاعة، ودون اعتراض منهما، وهي عادة سائدة في المجتمعات القبلية الماضية، لكنها أخذت في التلاشي فيما بعد، تبعاً لظروف العصر ومتطلبات الحياة، وسطوع نور العلم والمعرفة على تلك المجتمعات، معلنة حياة جديدة يسودها التغيير والتجديد والتطوير، والنهوض والحرية، والقضاء على العادات والتقاليد المخالفة للدين والمبادئ والقيم والأعراف، وأصبح زواج الفتى والفتاة لا يتم إلا برضائهما (إيجاباً وقبولاً)، ودونما إكراه أو إجبار.

ومن ضحايا زواج [الإكراه]، وما أكثرها في تلك الفترة، وكنتُ على علم ببعضها (أن إحدى فتيات القرية قَبِلَ والدها بزواجها من أحد فتيان القرية، وتحدد موعد كتب العقد والزواج بعد شهرين، وأشعر أسرته بذلك للاستعداد للمناسبة، ومع أن الخبر نزل عليهم كالصاعقة، إلا أنه ليس بوسعهم صدّه، لأنه من سلطة عليا يُمثِّلها الوالد، واستسلموا للواقع.

ولأن الفتاة مصرّة على عدم الزواج من هذا الخاطب، ليس لأنها تُحب غيره، أو لها رغبة في جهة معينة، فهي تعرفه ويعرفها، وبينهما رفقة طفولة، وتعتبره كواحد من أخواتها، وتُبرئه من كل عيب، لكن ارتباطها بالإكراه ستكون عواقبه وخيمة على الطرفين، وصارحته بذلك، وطلبت منه الاتجاه لغيرها.

ولأن الخاطب عندما تقدَّم هو ووالده لخطبة هذه الفتاة كان برغبة منهما، ولمعرفتهما بصلاحيتها، ولما اتضح للخاطب عدم رغبتها في الارتباط به، وأنها كانت مكرهة من والدها، قرر مغادرة القرية مع بعض رفاقه للدخول في العسكرية حلاً للمشكلة، وفعلاً التحق بالعسكرية، وأخبر والده وطلبه العفو والمسامحة، وإشعار والد خطيبته بإنهاء الاتفاق المبدئي بينهما، لعدم رغبته الزواج منها.

كانت هناك العديد من العادات والتقاليد الموروثة التي سادت المجتمعات الماضية، منها زواج الشغار، أي البدل وما في حكمه، وزواج الفتاة بمن لا ترغبه عن طريق الإكراه، وكذا الفتى، ولكنها بحمد الله قد تلاشت وحل محلها الإيجاب والقبول من الطرفين، وبجهودٍ معلومة، وشروط شرعية تضمن حقوق الزوجين، ولا نعني هنا إسقاط حق الوالدين في النصح والمشورة، فمتى كانت نصيحتهما تتفق مع شرع الله، وتحقق المودة والرحمة بينهما، فمن البر قبولها.

*خاتمة:

ومن دواعي المودة والرحمة واستدامة العشرة بين الزوجين في الحياة، أن تبنى أساساً على الرغبة والتوافق بينهما، بعيداً عن الإكراه لأهداف دنيوية ومقاصد شخصية، وهو ما أنصح به نفسي، وكل ولي أمر، وكذا عدم التغالي في المهور وولائم الزواج، تأسياً بالحديث عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store