Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

التسمم الثقافي

A A
لن نمل، ولن نكل، من الطرْق على ذات القضية، قضية متابعة ما يطلق عليهم مشاهير، وما تبثه قنوات التواصل الاجتماعي من خلال قنواتها المتعددة، وما يبث على قناة يوتيوب، ليس فقط الغث بل المعلومات الطبية والوصفات المتعددة التي يدَّعي أصحابها أنها علاج سحري لعددٍ من الأمراض، ووصفات التخسيس، والتجميل، بعناوين برَّاقة تجتذب الكثيرين والكثيرات ممن شغلتهم الأجهزة المحمولة عن محيطهم الأسري والاجتماعي.

معظم الكتاب والكاتبات، طرحوا مرئياتهم، وانتقدوا هذه الظواهر، التي ضفرت في نسيج ثقافتنا، وأصبحت ظاهرة، كذلك كثير من البرامج التلفزيونية وربما الإذاعية - لا أستطيع التأكيد- لست متابعة للإذاعة، أنا أيضاً أصبحت رهينة ما يصل إلى هاتفي من مواد، لكن بفضل الله أملك القدرة على تحديد خيارات المشاهدة والإنصات حتى للبودكاست، انصت قبل يومين لحديث رائع للأستاذة ليلى طيبة على فيسبوك، كذلك قراءاتي للمقالات والموضوعات، لستُ حاطب ليل، بل على بصيرة.

أعود لقناة الإخبارية، والتقرير الذي بثته في أول الحلقة حول الأسر التي تدفع بأطفالها وبناتها إلى الشهرة، بعرض يومياتهم أو أجسادهم أو تفاهاتهم، وانعكاس المتابعات على ترميز مشاهير التفاهة، والدفع بهم إلى واجهة المشهد الثقافي، بينما يتم تجاهل أصحاب الإنجازات والمتميزين من أبناء وبنات الوطن.

الإشكالية في الجمهور الكبير من المتابعين كما ذكرت د.الهنوف الحقيل، المستشارة الأسرية، ضيفة حلقة الإخبارية؛ فالمتلقي هو مَن يرفع المتابعات ويُحوِّل التافهين والتافهات إلى مشاهير. قالت: «كل يوم نشاهد ما لا يعنينا ولا يمثل لنا مرجعية جيدة، تشاهد يوميات وسخافات ليست ذات فائدة لك، وبالتالي كيمياء العقل أو طريقة تفكيرك أو طريقة تعاملك مع الحياة تكون بطريقة سطحية»، هو هذا التسمم الثقافي الذي قصدته في العنوان!.

كما تغيرت ثقافتنا الغذائية، وتغيرت كثير من الأمور في حياتنا، تغيرت ثقافة التلقي والمشاهدة، لم تعد متعة تصفُّح الصحف وقراءة المقالات والأخبار عادة يومية، بل حل محلها تصفُّح قنوات التواصل الاجتماعي، ومشاهدة ما تقذفه إلى هاتفك، أو ما تتعثر به في رحلة التصفُّح، والتنقل من فيسبوك لواتس أب، ومن انستغرام لسناب شات، ومن تيك توك ليوتيوب، ثم لا شيء دعم فكرك ولا أثرى معرفتك، بل سقطتَ في بحر التفاهة.

كانت معظم أو كل الأغذية التي نتناولها طبيعية، صحية وزهيدة، قبل مطاعم الوجبات السريعة والأغذية المحفوظة في المعلبات، وبالتالي كانت صحتنا أو صحة آبائنا وأمهاتنا أفضل من صحتنا وصحة أبنائنا، الذين يتغذون على الأطعمة المحفوظة، والوجبات السريعة إلا من رحم ربي.

حياتنا العقلية أصبحت مرهونة بيد التافهين والمتابعين الأكثر تفاهة! وعقولنا استرخت واستطابت غذاء المعلبات أو المواد الجاهزة؛ من خلال ما يهطل عليها من قنوات التواصل الاجتماعي، ويوتيوب، الذي أصبح وسيلة لتعلم كل ما يتعلق بالخلطات التجميلية والعلاجات لكل الأمراض، وعلاج العلاقات الزوجية والأسرية، خبراء في السياسة والتغذية، واللغات والعلوم والفنون، وعلى كل لون.

كل هذا موجود في جهازك المحمول، لذلك تجد الجميع مشغولاً بالمتابعة أو المراسلة والتعليقات، وحفظ وتخزين وإرسال ما يتصوره غاية الغايات والفتح المبين، لذلك أصبنا بالتخمة البصرية، كما أصبنا بالتخمة الغذائية، بل تسممت أفكارنا ومعلوماتنا، واضطربت ثقافتنا، وتشوشت عقولنا من كثرة ما يرد إليها من غث، ومن معلومات حول كل شيء، وحول لا شيء، فقط أصبح لكل إنسان منصته الخاصة، يبث من خلالها ما يشاء، طالما أن هناك من لديه الوقت للمتابعة وتسجيل الإعجاب. المتابعة تعني الإنصات والقناعة، وتسجيل الإعجاب يعني هضم تلك المعلومات الفاسدة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store