Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

أثافي القِدر!

A A
في بداية حياتي الوظيفية، ساقني القدر للعمل مع مدير (متوسط المؤهل)؛ كان يؤمن بالخبرات المتوارثة أكثر من إيمانه بالعلوم الإدارية الحديثة، فأمثال شعبية من نوع (الشجرة اللي ما تضلل أهلها تستاهل القطع) و(اليد اللي ما تقدر تدوسها بوسها)، كانت تمثل مناهج إدارية يسير عليها الرجل ويسترشد بها، إلّا أن مَثَلُه الأكثر استخدامًا كان (القِدر ما يركب إلّا على ثلاث)، وهو مثل مشهور عند عرب الجزيرة، يعني أن معظم الأعمال لا تسير ولا تركز وتثبت؛ إلا بالمشاركة مع أكثر من شخص، تماماً كما يثبت قدر الطعام فوق الأحجار الثلاثة التي تحمله، وهذا مفهوم جيد في معناه الظاهري، لكن المشكلة أن مديرنا (عفا الله عنّا وعنه) كان يؤمن بالمثل حرفيًا، فالمستشارون عنده ثلاثة لا غير، والمساعدون أيضًا ثلاثة، حتى اللجان لابد أن تتكون من ثلاثة أعضاء، أما بقية الموظفين فلا حاجة لهم في نظره!.

(أثافي القِدر)، مصطلح شعبي يطلق كما قلنا على الأحجار التي تحمل قِدر الطعام وتحفظه من السقوط والميلان.. وقد دخل هذا المصطلح ضمن مفاهيمنا الإدارية (المبروكة)، كرمزية لتلك القلة القليلة من الموظفين المقربة جدًا من الرئيس أو المدير؛ والتي تحظى برعاية غير عادية، وامتيازات عديدة، وسلطات واسعة، لاعتقاد سعادته أنهم هم من يحملونه ويحفظون توازنه، ويحمونه من السقوط!.

وجود تقسيمات طبقية ومجموعات ذات مسميات نخبوية في أي منظمة؛ يضر بها أكثر مما يفيدها، ففضلًا عن شعور غالبية العاملين بالعزلة والبعد عن القيادة، فإنه يقلل من الولاء الوظيفي، ويضعف الحماس والانتماء، ويزيد من شعور العاملين بالتهميش وعدم الأهمية.. وتزداد المشكلة صعوبة عندما تحيط الطبقة المنتفعة من «أثافي القِدر» أنفسهم بهالة من الفوقية والخشونة في التعامل، حيث يتمركزون حول (قِدرهم) الكبير أو مديرهم، لمنع الوصول إليه إلا من خلالهم، عندها يضطر الموظفون لتقديم التنازلات من أجل التعامل مع (تلك الأحجار الغليظة)، فيلجأ البعض للتزلف، وتحمُّل الأذى لتسيير أمورهم الروتينية البسيطة، ويزداد الأمر سوءًا حين يلغي وجود تلك (الفئة القليلة) أدوار كثير من العاملين في المنظمة، بل ويلغي أحيانًا دور أقسام بأكملها، حيث تُناط واجباتها وكامل صلاحياتها لشخص واحد أو شخصين من حماة المدير وحاشيته الخاصة!.

بالطبع لا يوجد أي تشابه بين فِرق العمل المختارة بعدالة وعناية، وبين (أثافي القِدر)، التي تشكل عقبة نفسية وعملية في طريق ازدهار أي منظمة، والقائد الجيد هو من يستطيع الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، ويعمل على إشراك جميع العاملين في الرؤى والأهداف والمسؤوليات والمهام، دون إعطاء أفضلية أو امتياز غير مستحق لأحد، أما مَن يعتمدون على «الأثافي»، فإنهم سيفقدون لا محالة ثقة معظم العاملين معهم، ويخسرونهم بعد أن يضعف الحماس ويقل الاهتمام والولاء، وبعد أن تنخفض الإنتاجية إلى حدودها الدنيا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store