Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

السياسة والاقتصاد والثقافة والاستعمار..!

A A
في خضم الأحداث التي تعصف بالعالم لابد من إعادة الأمور إلى مصادر الأزمات التي أوصلت العالم إلى ما هو عليه في الوقت الراهن.. في كل قارات العالم مشاهد الآثار المأساوية بارزة وتتكرر مساويها جيلاً بعد جيل.. في القارة الأفريقية نرى النيجر تتحدى الوجود الفرنسي بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة بالطرق الديموقراطية، يشهد بذلك الدول المجاورة والأسباب اقتصادية لأن الشعب أصبح يرى في وجود المستعمر الفرنسي السبب الرئيسي في معاناته من الفقر والبطالة وعجز الحكومة عن توفير سبل العيش الكريم في وطن به ثروات طبيعية تذهب خيراتها للمستعمر الفرنسي الذي ينقط عليهم بالقطارة دون حلول جذرية وتنمية مستدامة.

ويرى مواطنو النيجر أيضاً التباين النسبي في دول الجوار التي نالت استقلالها وأصبح سكانها ينعمون بحياة أفضل مثل نيجيريا والجزائر وليبيا وغيرها.. وبسبب وجود الاستعمار أصبحت الثقافة فرنكفونية من خلال تعليم اللغة الفرنسية التي تحرص فرنسا على جعلها أجدى سلاح ناعم في مستعمراتها والشواهد بارزة للعيان ومقولة الرئيس الجزائري أبومدين عندما أقدمت الجزائر على التعريب حين ذاك اتخذ القرار الحاسم وأطلق صرخته ليس السؤال هل نعرب أو لا نعرب.. القرار كيف نعرب؟ والدليل الآخر على حرص فرنسا على تثبيت اللغة كوسيلة فاعلة للاستعمار في أفريقيا أنها استقطبت بطرس بطرس غالي عندما رفضت الولايات المتحدة التمديد له لفترة ثانية عندما كان أمينًا عامًا للأمم المتحدة وأسست هيئة خاصة للحفاظ على تعليم ونشر اللغة الفرنسية ورصدت لها موازنة ثلاثمائة مليون يورو.

والمتابع لما يحصل في النيجر يرى أن المتمردين على النفوذ الفرنسي يخاطبون فرنسا وأجهزة الإعلام العالمية التي تغطي الأحداث باللغة الفرنسية وكذلك فعلت كوت ديفوار وبوركينا فاسو والجزائر قبلهم.. والواقع أن اللغة والثقافة لم تذهب بعد ما رحل المستعمر لأنها كسب مميز إذا أحسنت الشعوب استخدامها.

اللغة الوطنية بدون شك رمز أساسي وجوهري في كينونة الهوية الوطنية وكل دول المغرب العربي تمسكت باللغة العربية وقاومت كل تيارات الغزو والعدوان على لغتهم ومحو هويتهم وتراثهم الحضاري.

مشهد مسأوي الاستعمار تتكرر في كل الدول والمناطق الجغرافية التي كانت ضحية للاستعمار الغربي في آسيا وأفريقيا والامريكيتين الشمالية والجنوبية.. استنزفوا الثروات وتركوا أهل الأرض الأصليين في أقل درجات سلم الحياة وعندما رحلوا خلفوا وراءهم الفقر والتخلف ومرارة عدم الرضا.

وبالعودة إلى عنوان المقال والأربعة العناصر المذكورة نرى الرابط المبني على إستراتيجية سياسة اقتصاد ثقافة = استعمار ولا يوجد استعمار بدون حروب بكل بشاعتها الإنسانية.. إنه صراع على التوسع والاستغلال والهيمنة واستنزاف الثروات وترحيلها من المستعمرات إلى وطن المستعمر بشكل ممنهج.. انتفاضة النيجر ومطالب قادتها أكبر دليل على ذلك.. فرنسا يوجد بها جاليات من كل الدول التي استعمرتها وهم في كل الأزمات يتعاطفون مع أوطانهم الأصلية ولا لوم عليهم في ذلك ولكنهم يبقون مهاجرين مهمشين في الحياة العامة في فرنسا.. الحل الأمثل كما في الحالات السابقة يبرمج رحيل فرنسا ويوضع له سقف زمني لأن القطيعة الكاملة قد لا تكون في صالح شعب النيجر في هذه المرحلة لأسباب اقتصادية وثقافية وسياسية أيضاً وأن يستفاد من تجارب دول الجوار التي سبقتهم في التخلص من النفوذ الفرنسي العميق في تلك القارة التي تعاني من الفقر والتخلف برغم كل ما تملكه من ثروات طبيعية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store