Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لماذا تستعصي بعض الوظائف على التوطين؟!

A A
* تجتهد وزارة الموارد البشرية في إعلان توطين بعض الوظائف في قطاعات سوق العمل المحلية بين فترة وأخرى، لكنك تفاجأ على أرض الواقع أن كثيراً من هذه الوظائف سرعان ما تفقد مواطنتها؛ لتعود مرة أخرى إلى أحضان العمالة غير السعودية. تُعيد الوزارة الكرّة مشكورة بعد فترة، فتصادف نفس المصير.. توطين خجول ومؤقت، سرعان ما يتناقص إلى أن يتلاشى تقريبًا!.. وفي كل مرة، يكبر السؤال المهم: لماذا تستعصي بعض الوظائف على برامج التوطين، ولماذا ينجح بعضها الآخر؟.

* باختصار؛ ودون الدخول في تفاصيل مُشتتة، يكمن السر في (بيئات العمل) لا في الوظائف نفسها، فالشاب أو الشابة لا يبحثان عن مجرد وظيفة، بقدر ما يبحثان عن (بيئة عمل) عادلة ومحفزة وآمنة، تحفظ حقوقهم؛ وتدفعهم نحو المزيد من العمل والتطور.. ليس بالضرورة أن تكون هذه البيئة مماثلة لبيئات (أرامكو) و(سابك) وبقية الشركات الوطنية الكبرى، لكنها يجب أن تضمن لهم على الأقل العدالة في الراتب؛ وفي أوقات العمل من جهة، وتضمن الإشباع الوظيفي من حيث جاهزية المكان والتحفيز والتقدير والتعامل الإنساني من جهة أخرى.

* لا أظنني أذيع سرًا إن قلت: إن ثمة قطاعات كاملة ما زالت شبه محتكرة منذ عقود؛ من جنسيات معينة دون غيرها، بدءًا من عند عتبات المستشفيات الأهلية وتحديدًاً طب الأسنان، مرورًا بقطاع تصنيع الرخام والسيراميك، وليس انتهاءً بتجارة التجزئة في المواد الغذائية وأسواق الخضار والتمور، ومعظم هذه القطاعات لم تستجب بالشكل الكافي لكل محاولات التوطين السابقة رغم تكرارها، ولعل من أهم الأسباب - كما قلنا- أن بيئة العمل السائدة في تلك الأعمال لا تتناسب مع أبسط متطلبات الباحثين عن عمل، لا من حيث المرتبات، ولا وقت الدوام والإجازات، ولا حتى من ناحية التسهيلات والخدمات المتوفرة، وكأنها صُمِّمت أصلاً لغير السعوديين منذ طفرة السبعينيات، ولا يرغب أحد بتغيير بيئتها.. وظائف متدنية يملكها صغار التجار الذين يبحثون عن موظف ذي كفاءة بسيطة، وبأجر متدنٍ كي يستطيعوا البقاء والمنافسة، مما يجعل استمرار العمل في هذه البيئات من شبه المستحيلات، فكيف يمكن لطبيب مثلًا أو صيدلي تحمَّل كل ضغوطات ساعات العمل الطويلة في منشأة خاصة، مقابل راتب لا يكاد يفي بمتطلباته الشخصية البسيطة، مما سيشعره بالتأكيد بالغبن، وعدم جدوى الاستمرار.

* للأمانة والإنصاف؛ أبناؤنا ليسوا كسالى ولا مترفين، كما يريد البعض أن يُصوِّرهم، ويُثبت هذا استمرارهم في شركات كبرى يعملون فيها بحب واتقان لساعات طويلة دون ملل أو تضجر، طالما كان المقابل مجزياً ماديًا، وبيئة العمل تحترمهم، ولهذا يتمسكون بالعمل، بل ويفتخرون به.

* ستُحَل مشكلة عصيان بعض قطاعات سوق العمل على التوطين، وعلى مشاكل احتكارها من قبل بعض الجنسيات، بل وحتى على مشاكل التستر التجاري إذا استطعنا صناعة بيئات عمل جاذبة وعادلة ومحفزة. المعادلة ببساطة: أعطني بيئة عمل جيدة، وسأعطيك مئات الآلاف من الشباب السعوديين المهرة والجادين والقادرين على التطور المهني، وعلى تحمل كل ضغوطات وتحديات العمل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store