Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

خاصية تنوّع المفردات في الأسلوب

سديم

A A
في مبحث الأسلوب؛ لم يعد من الجائز -إن صح الوصف- أن يعزل الناقد في دراسته لخاصيّة المفردات وتنوّعها ما بين أسلوب شاعر ما، أو كاتب، أو منشئ، وما بين معجمه اللغوي الذي ارتكز عليه؛ نظرًا لما يصحبه من وفرة في تنوّع مفرداته، وثروته اللفظيّة، ومعجمه الكتابي؛ وذلك وفقًا لمحصلة معرفيّة، وعلميّة، ولغويّة، وثقافيّة، وأدبيّة، باعتبارها السّبيل الأنجع لإيصال رسالته إلى المتلقّي، والقوام الأساس لخطابه التواصليّ، فما "المفردات إلا اللبنات التي يستخدمها المنشئ في إقامة بناء النص على النحو الذي يعكس شخصيته وتفرده بين المنشئين".

ومن الثابت أن الثروة اللفظية تعد حصيلة ما جناه الشاعر، أو الكاتب، أو الناثر، وأداة جوهرية في بناء أسلوبه ومعمارية نصه؛ بل يعد من أبرز الخواص الأسلوبية الدالة عليه، والمبنية عن سر صناعة الإنشاء عنده.

فإذا كانت الثّروة اللفظيّة ترتبط بالأسلوب من حيث البناء والتّركيب والصّياغة؛ فإنّ السّعي نحو العثور على تعريف قاطع مانع للأسلوب يُعدُّ ضربًا من العبث الذي لا طائل من ورائه، إذ ليس هناك تعريف واحد للأسلوب يتمتع بالقدرة الكاملة على الإقناع، ولا نظرية واحدة يُجمع عليها الدارسون في تناوله، وقد أدى هذا إلى أن يقدم كثير من الباحثين في مقدمة كتبهم الخاصة بعلم الأسلوب إلى عرض مجموعة من التعريفات قد تصل في بعض الأحيان -كما يرى صلاح فضل- إلى نيف وثلاثين تعريفًا، مع أن بعض النقاد نظروا "إلى الأسلوب من زاوية المظهر الذي يخرج فيه، أو الذي يتوهم خروجه فيه، كذلك. فعدوه: الضرب من القول، أو الطريقة، أو المنوال، أو القالب"، إنّه بعبارة أخرى "دراسة الأسلوب -أو التعبير عن الفكر- من خلال اللغة".

في حين "نظر بعض الأدباء ما بين تعدد الأساليب والافتنان فيها وطرق العرب في أداء المعنى، بحيث يكون لكلّ مقام مقال، فتعدد الأساليب راجع إلى: اختلاف الموقف، وطبيعة الموضوع، ومقدرة المتكلم وفنيته.

ولئن كان علم الأسلوب نشأ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وفقًا لمبدأ التّطور الذي لحق بالدّراسات اللغويّة واللسانيّة، فقد برز اتّجاهان يرتبطان به، أحدهما "يتمثل في علم أسلوب التعبير، ويدرس العلاقة بين الصيغ والفكر في عمومه، والثاني هو علم الأسلوب الفردي"، ثم حدث نقلة نوعية في التعاطي مع النصوص الأدبية على إثره بفضل الدراسات الأسلوبية واللسانيات الحديثة على يد فرديناد دي سوسير، وشارل بالي، ورومان جاكوبسون. وهو ما أدّى إلى ثورة في كل ما يتّصل بالدّراسات اللغويّة من نحو، وصرف، وأصوات، وصيغ، ودلالات، وتراكيب؛ فضلًا عن بحث الخصائص الفنيّة الجماليّة التي تميّز نصًّا ما عن غيره، وكاتبًا عما سواه، وذلك بدراسة "النص من خلال لغته وما تعرضه من خيارات أسلوبية على شتى مستوياتها: نحوياً ولفظياً وصوتياً وشكلياً".

وللحديث تتمة،،،

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store