Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

الإسلام.. والسلوك الحسن

A A
تمرُّ بالإنسان في مسيرة حياته العمرية مواقف لا تُنْسَى، تظل عالقة في الأذهان، ولها أثر كبير في النفس تغني عن مواعظ خطابية ودروس بلاغية.

موقف جميل مرّ بي مع فضيلة الشيخ محمد السبيل، إمام وخطيب المسجد الحرام - رحمه الله-، عند مقابلتي له في إحدى المناسبات، وكنتُ وقتها على وشك مغادرة المملكة في بعثة للدراسة بالخارج، طلبت منه النصيحة؛ قال -رحمه الله- كلمات ظلت في خاطري طوال أيام البعثة، قال -رحمه الله-: «أوصيك بجهاد السلوك، كن داعيةً بسلوكك، انقل صورة إيجابية لدينك ووطنك وأمتك في بلاد الغربة، فالسلوك الحسن والإخلاص والصدق في التعامل، من أعظم أنواع الجهاد.. مستشهدًا بالآية الكريمة: (وقولوا للناس حُسْنًا)، عندها تكون قد خدمت الإسلام خدمة عظيمة». انتهى كلامه رحمه الله.

تذكرت هذا الموقف، وأنا في زيارتي الأخيرة لخطيب الجمعة في المركز الإسلامي بلندن فضيلة الدكتور فايد محمد سعيد، المركز الذي يمتلئ في أوقات الصلوات بالمسلمين من كل الملل والنحل والأعراق، والذين شرح الله صدرهم للإسلام، ودخلوا في دين الله أفواجاً بدون إكراه، بل باقتناع بأنه الحق من ربهم.

بعد أن قدمني فضيلته، وطلب مني الحديث؛ ذكرت لهم قصة انتشار الإسلام في شرق آسيا، التي تعد من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم، لم يذهب المسلمون إلى تلك المناطق البعيدة، بجيوش غازية، ولم يخوضوا مع أهل تلك البلاد حروباً، إنما ذهبوا لتلك البلاد تجاراً، يحملون قيماً كريمة ومثلاً عليا، منها الصدق في التعامل، فنالوا ثقة تلك الشعوب، وعندها حققوا القاعدة التي تؤكد أن الإسلام ليس ظاهرة فقهية فقط ، بل نهج حضاري وأسلوب حياة، يغزو الأفئدة قبل البلدان، فقد غادر التجار المسلمون المشرق الإسلامي باتجاه تلك البلاد عن طريق البحر، فأخذوا يتبادلون السلع التجارية مع أهل تلك البلاد بالصدق والإخلاص والأمانة، فوجد أهل تلك البلاد فيهم الصدق، وعرفوا فيهم العفة والتعامل الحسن وأيقنوا أن هذا كله من أثر العقيدة الإسلامية التي يحملونها، فأحبوا الإسلام، ودخلوا في دين الله أفواجًا لدرجة أن أكثر المسلمين في وقتنا الحاضر البالغ عددهم أكثر من ملياري مسلم؛ هم من ذلك الجزء من العالم، وأصبحوا -ولله الحمد- من أبنائه المخلصين، وبذلك تمكن المسلمون الأوائل من نشر الدعوة إلى الله عن طريق نقل الصورة الجميلة عن الإسلام خارج بلدانهم.

إن العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، ولا بد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين الناس. قال تعالى في سورة البقرة -الآية (83): «وقولوا للناس حسنا»، صدق الله العظيم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store