Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

شيء من التاريخ!

A A
مَن كتب الله له أن يشهد ستينيات القرن العشرين وما قبلها، ويعيشها هذه الأيام، يدرك النقلة الحضارية المتميزة بمعطياتها التي تشهدها المملكة الآن، وكلُّ مَن على أرضها يرفل بطمأنينة ورخاء ورفاهية بعد عقود عاشها الآباء والجدود في ضنك وضيق ذات اليد، وافتقار إلى أبسط متطلبات العيش الكريم.. كانوا -منذ سنوات الحربين العالميتين؛ الأُولى؛ (السفر برلك)، والثانية، حينما تقاسم المستعمرون الأوروبيون تَرِكَة السلطنة العثمانيَّة ينتظرون مواسم الحجِّ والعمرة والزيارة لتصلهم صدقات مَن أنعم الله عليهم من الدول المجاورة والبعيدة.

أذكر جيِّدًا وأنا في مقتبل العمر تجوالهم في أزقة مدينتنا، وطرقهم أبواب البيوت مستفسرين عن عدد مَن فيها من السكان ليعودوا إليها حاملي أرغفة العيش؛ (الخبز)، وقطعًا من قماش لتفصيلها ملابس للصغار وللكبار، وما تيسَّر من نقود.

يُسجَّل للملك المؤسس عبدالعزير آل سعود -طيِّب الله ثراه- اتخاذه منحنى تاريخيًا حوَّل اقتصاد المملكة من تربية المواشي والزراعة والتجارة والصناعات البسيطة إلى دولة تعتمد على إيراداتها من عوائد النفط.. واعتمد- يرحمه الله- التعليم العصري بدلًا من الكتاتيب والمساجد لعلوم الدين واللغة العربيَّة، وذلك بتأسيس مديرية المعارف عام 1924، فكانت بداية إرساء نظام التعليم للبنين.. وفي عام 1936، تأسَّست مدرسة تحضير البعثات لإعداد الطلبة قبل ابتعاثهم للخارج لاستكمال دراستهم العليا على نفقة الحكومة.

ثم تابع بعده أبناؤه البررة المسيرة، واستمرت مسيرة التعليم باستقدام مدرسين للعلوم والرياضيَّات والتاريخ واللغات العالمية إلى جانب إحداث جامعة الرياض، وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، التي مولها رجال المال والأعمال في جدَّة.. وفي عهد الملك فيصل -يرحمه الله- فُتحت مدارس تعليم البنات، وتولَّت حرمه الملكة عفَّت إدارتها، ثمَّ تعميمها في أرجاء المملكة كافَّة.

بهذه الإنجازات، تحقَّق بعض ما كان يصبو إليه الملك المؤسِّس ببناء الدولة العصريَّة، بدءًا باستقدام مستشارين من بلدان عربيَّة عملوا على رسم السياسات الانشائيَّة للبنية التحتيَّة للمملكة، مقدِّمة لرسم خطوات التنمية.. وعلى خطاه -يرحمه الله- واصل أنجاله؛ الملوك وخدَّام الحرمين الشريفين المسيرة.

وبما أفاء الله به على المملكة من ثروات طبيعيَّة، والتزام بسياسة ترشيد الإنفاق، وبقيادات حكيمة على درجة عالية من الثقافة والمعرفة في التخطيط والتنظيم والتنفيذ، عملت على ارتقاء المملكة إلى مجموعات الدول الرائدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لنصل إلى ما نحن عليه اليوم، ولإرساء دولة نموذجية تقفز إلى الأفضل في الحياة بثقة وإيمان.. وهكذا يتواصل الماضي بحاضرٍ يرسم ملامح مستقبل أفضل للأحفادِ، عماده العلم وبناء الإنسان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store