Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

عودة الدُجِّيرَة..!!

بضاعة مُزجاة

A A
كُنْتُ وأصدقاء الطفولة في حارتنا بمدينة الطائف، نعتقد بوجود جِنِّيَة اسمها (الدُجِّيرَة) تهيم في الشوارع ليلاً، ووجهها يُشبه وجوه نساء الآدميين، وربّما كان وجهها فائق الجمال، لكنّ قدميها مثل أقدام البقرة، وينطلق منهما صوت شبيه بصوت الجرس أو الخلخال، وهوايتها هي إخافة الرجال، بأن تُمثّل عليهم إذا واجهتهم بِحَمْلِ جنٍّي صغير في هيئة طفل آدمي على أحد ذراعيْها وبُقجة (قطعة قماش فيها طعام أو بضاعة للبيع) على الذراع الآخر، وتطلب منهم مساعدتها فيتعاطفون معها ويحملون الطفل الذي يكبر حجمه فوراً ويطول، فيخاف الرجال ويرتعدون، وربما يفقدون الوعي، أو يعتريهم الجنون، أو يهربون بعد أن يقذفون الطفل على الأرض دون أن يمسّه الأذى بالطبع، وسط صياح وقهقهات وسخرية الدُجِّيرَة المُخيفة وطفلها الشنيع!.

وكأيِّن من ليلة قضيتُها مع أصدقاء الطفولة نلعب ليلاً في الشوارع، فإذا ما رأينا امرأة مُتدثّرة بعبائتها وتلبس حذاءً يصدر منه صوت الدَوْسِ به على الأرض وتمشي بجانبنا، نهرب خائفين لأقرب بيت قائلين: (جات الدُجِّيرَة.. جات الدُجِّيرَة)، وكم من امرأة آدمية وبريئة قد أفزعناها، أو وضعناها في موقف حَرِج، وكم من امرأة آدمية شَكَتْنا لوالدينا على اتهامنا لها بأنّها جِنِّية، فنتلقّى علقة ساخنة ووابل من الزجر منهم، ونُعاقب بمنعنا من الخروج ليلاً لعدّة أيّام والنوم المُبكّر!.

وقبل أيام شاهدْتُ في منصّة (X) دعاية لحذاء نسائي قبيح بسبب تصميمه على شكل قدم البقرة، لكنّها الموضة التي تجعل المرأة تلبس الغريب من الأزياء ولو بنسخ ولصق أقدام البقرة، وهو يُسوّق ويُباع كثيراً، الأمر الذي سيُزعج الهنود ممّن يقدّسون البقرة من قمّة رأسها إلى أخمص قدميْها، إذ كيف تُهان البقرة ويُصنع حذاء على شكل قدميها؟! والأمر الذي يجعلني كذلك أحذّر عالم الرجال أنّ الدُجِّيرَة (جات.. جات) بحقّ وحقيق، وأنّ الأسطورة الحجازية الشعبية تحققت ولو بعد حين، ولو بشكل ظاهري فقط يُعيدني لذكريات ممتعة من الزمن الجميل حيث البساطة والقناعة والتقارب الاجتماعي الحقيقي والصداقة الحقّة والبراءة!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store