Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

أولوياتك.. هي من تبقيك فقيراً !

A A
«زمانكم أسهل بكثير من زماننا، ولو عشت فيه لحققت الملايين بسهولة!»، هذه العبارة قالها لي شاب يعمل في إحدى شركات التوصيل؛ بعد حوار قصير في سيارته الخاصة.. كان الشاب متذمراً بشكلٍ واضح من الظروف والأنظمة والتشريعات الوزارية التي يراها سبباً في وضعه المالي، وكم أشفقت عليه وأنا أرى طموحه اليافع يرزح تحت ركام هائل من السوداوية والتشاؤم؛ التي تغلف كل حرف من حديثه!.

تعليق أسباب الفشل على الآخرين، أو على عوامل خارجية - كالحظ والتشريعات والقوانين- هو أبسط أنواع التهرب من مواجهة الواقع، وهو داء موجود في كل عصر.. صحيح أن الظروف قد تُصعّب الأمور أحيانًا، لكنها لا تمنع أبداً من النجاح، فالناس في كل مكان يولدون في ظروف وبيئات مختلفة، وهذا قد يجعل طريقهم نحو النجاح متفاوتًا، لكنه ليس مستحيلًا على الإطلاق.. بل إن الصعوبات في أحيانٍ كثيرة تكون هي الدافع والعامل المساعد للكثيرين على النجاح والتميز.

لا أقول هذا رجمًا بالغيب، فقد أكدت دراسات كثيرة أن معظم أصحاب الملايين حول العالم بنوا ثرواتهم من خلال العمل الجاد والخيارات المالية الذكية، ومن خلال تحديد الأولويات في حياتهم، وأن فكرة أنهم يولدون أثرياء ليست صحيحة على الدوام، فوفقًا لدراسة أجرتها شركة Wealth-X عام 2019 ودراسة أخرى أجرتها شركة Fidelity Investments وجدت أن ثلثي أصحاب الملايين بدأوا من الصفر، وأنهم يتشاركون في بعض العادات الناجحة، مثل تحديد أهداف طموحة، والشغف بالقراءة والبحث والاطلاع، والجرأة على المخاطرة المحسوبة، والقدرة على التعلم من الفشل، وإدارة الوقت بشكل فعال، وتنويع استثماراتهم.

يقول الكاتب (ستيفن مور) في مقال على فوربس: هناك اعتقاد خاطئ عند الكثيرين بأن التنظيمات والتشريعات الحكومية تُقلِّل من الفرص، وتجعل الفقراء أكثر فقرًاً، والحقيقة أن الحكومات يمكن أن تجعلهم أكثر فقرًا؛ إذا قامت بمساعدتهم دون أن يعملوا، فهذا النوع من المساعدات يجعلهم يبقون جميعهم في مكانٍ واحد، ولا يرغبون في المضي قدمًا وتغيير وضعهم للأفضل.

ويضيف: للأسف لا يزال هناك الكثير من الناس يعتقدون أنه يجب على الحكومات حل مشاكلهم المالية الشخصية، وأن على الشركات الكبرى كذلك تقديم المساعدات الاقتصادية لهم!.

هذا تمامًا هو حال صديقنا الشاب وأمثاله - في زماننا وفي كل الأزمنة- ممن اعتادوا لوم العوامل الخارجية، وتجاهلوا افتقارهم الشخصي للتحليل الذاتي، ورسم الأولويات التي يمكن أن تجعلهم مستقرين وناضجين من الناحية المالية، إنهم للأسف يعطون الأولوية للإنفاق العشوائي وغير الضروري، مما يجعلهم في شعور دائم بالحاجة إلى كسب المزيد ليكونوا في حال مالي أفضل.

إن قراراتهم الخاطئة هي ما تبقيهم في دائرة الحاجة، لكنهم يتجاهلون هذا؛ ويلقون اللوم على العوامل الخارجية لأنها أسهل بكثير من تفقد الذات وتحمل المسؤولية.

في كثير من الأحيان نحن من نضع قيودًا على إمكاناتنا، لقد حصر صاحبنا الشاب نفسه؛ في المقارنات، ولم ينظر للفرص والتسهيلات الكثيرة من حوله، لقد استنزف طاقاته في لوم القوانين والظروف، وتوهم أنها السبب في عدم قدرته على النهوض مالياً، وهذا ما يمنع تحسن وضعه، فالعقل المقيّد، هو السبب في وجود صاحبه في وضع مالي غير جيد، وليس أي عامل خارجي آخر.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store