Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

سوء الظن.. ليس من حُسن الفِطن!

A A
* طوال حياتي العمليَّة لم أجدْ مَن هو أصعب في التَّعامل من الشخصيَّات سيئة الظَّنِّ، سواء كان رئيسًا أو مرؤوسًا، فسيِّء الظنِّ ينقلك من نفق فكري مظلم، إلى آخر أكثر منه ظلامًا، وأذكر هنا أنَّ أحد الزملاء كانت لديه قدرة عجيبة على توليد سيناريوهات (سوداويَّة) لكلِّ حالة تحدِّثه بها.. وأعترفُ أمامكم أنَّني فشلتُ فشلًا ذريعًا في احتوائه، أو حتَّى التقليل من سوداويَّة ظنِّه، فريبتُه الشديدة، وخيالُه المريض كانا يغلبان كلَّ المحاولات التي بذلناها.

* سوء الظنِّ ليس دائمًا من حُسن الفِطن، كما يزعمُ المثل العربي القديم، بل من أسوأ الخصال التي يمكن أنْ يحملها شخص في الحياة العامَّة، فهو مفسد للودِّ والتقدير على مستوى العلاقات الشخصيَّة، ولا يقلُّ سوءًا ولا خطورةً في بيئات العمل، فانتشاره في المنظَّمات سبب أكيد في انخفاض إنتاجيتها، خصوصًا على مستوى القيادة، حيث يؤدِّي إلى خلق جوٍّ من التوتر والشكِّ وعدم الثقة بين العاملين، بالإضافة إلى زيادة في معدل تسرُّب الموظَّفين لشعورهم بالإحباط وعدم التقدير، ناهيك عن انخفاض الإبداع والابتكار جرَّاء عدم قدرتهم على التعبير عن أفكارهم واقتراحاتهم.

* كثيرًا ما يخلط النَّاس بين الحذر واستشراف مخاطر المستقبل المحمودين، وبين سوء الظنِّ، والدخول في النوايا، واختلاق التُّهم، فإذا كان الأول مطلوبًا بشدَّة كونه جزءًا من التخطيط الإستراتيجي الجيِّد، فإنّ الثاني هو اضطراب نفسي، يتوهَّم صاحبه أنَّ كلَّ المحيطين به أعداء متربصون، يجب محاربتهم على طريقة (تغدَّى بهم قبل أنْ يتعشُّوا بكَ).. وهناك بعض الصفات الشخصيَّة التي تظهر على المصاب بهذا الداء، منها: الخوف غير المبرر، والحذر المبالغ فيه، تصيُّد الأخطاء وتضخيمها وتهويلها، الشكُّ وعدم الثقة في الآخرين، العناد والتصلُّب في الآراء، عدم الاعتراف بالخطأ، الصرامة وعدم التعاطف.

* مثل هذه الشخصيَّات (ممَّن يحسبُون كلَّ صيحةٍ عليهِمْ) إنْ تسنَّمت مناصب إداريَّة، فإنَّها تربك بيئة العمل وترهق العاملين؛ لذا يُفضَّل عدم التعامل معها، ومحاولة الخروج من البيئة التي يديرونها بأسرع وقت، إنْ لم تستطع فلا أقلَّ من التعامل الحذر بالعقل والرزانة والسيطرة على الانفعالات، من خلال التَّعامل الورقي المكتوب، وتجنُّب كثرة الحديث الشفهي، والمجادلة والنقاشات التي لا طائل منها.

* عزيزي مدير المنظَّمة: اجتنب كثيرًا من الظنِّ، ولا تصدِّق مَن يوهمونك بأنَّ سوءَ ظنِّك دليل ذكائك، فهذا قد يكون خارج بيئات العمل، أمَّا في العمل، فالثقة وحسن الظن من أهم دوافع التحفيز والإنتاجيَّة، وأنت المسؤول الأوَّل عن بناء جسور الثقة بين جميع العاملين من خلال التواصل المفتوح والصادق، وتعزيز قيم التعاون والعمل الجماعي، وتوفير فرص أكثر للتطوير والتدريب للموظفين، والأهم هو تطبيق نظام عادل لتقييم الأداء بعيدًا عن الشخصنة والمزاجيَّة، وسوداويَّة الظنون.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store