طغى على المشهد العربي بالآونة الأخيرة، ظاهرة نكران البعض لفضل بلادنا الغالية، بعد أن بسطت يدها، وشرعت حضنها، وأغدقت عليهم من خزائنها وخيراتها، إلا أن هذه الشرذمة القليلة، بدلاً من أن تكافئ الإحسان بالإحسان، قابلته بالإساءة، ودناءة النفس، وبذاءة اللسان، ومع أن بلادنا المعطاءة لم يسبق أن منّت بفضلها، إلا أن موجة الجحود العارمة التي اجتاحت قلوب بعض البلاد العربية، تضعنا أمام سؤال عريض ومحير: لماذا ينكرون فضلنا؟!
لقد سرح بي خيالي الفكري، ورأيت بلادي السعودية، تظهر بمقابلة تلفزيونية، تجريها معها إحدى الأقمار الإصطناعية «بصفتها المذيعة»، والتي بدأت أسئلتها: لاحظت وأنا أمارس عملي حول الأرض، وأدور بالفضاء بين المجرات والكواكب، نورك الساطع الذي يشع من هذه البقعة الطاهرة، فما هو أكثر ما يميزك ويعيبك؟!، لتجيب بلادي العريقة، بكل ثقة وعزيمة؛ أكثر ما يميزني عن غيري؛ كرمي، طموحي، مواقفي المشرفة، صمودي، وأكثر عيب فيني (الطيبة الزائدة).
موجة الجحود: التي أثارها الممثل محمد سلام (هجرس)، عندما اعتذر عن المشاركة بمسرحية (زواج اصطناعي)، ضمن فعاليات موسم الرياض بالسعودية، بزعم تضامنه مع الفلسطينيين الذين يعيشون كارثة إنسانية، كانت حركة مسيئة واستفزازية وغير مهنية، وتظهر الوجه النكدي (ثقيل الدم) لهذا المشخصاتي المتسلق الذي يصفونه بالكوميدي، والذي كان بإمكانه الاعتذار بشكل حضاري قبل وقت كافِ بإيميل يرسله للمنتج والمنظمين، الذين سيتفهمون حتماً اعتذاره ويوفرون البديل، لكن (هجرس) اعتاد الطعن في الظهر وعض اليد التي تمتد له، لذلك رغم مسيرته الطويلة لا يزال ممثلاً مغموراً، غالبية أفيهاته مكررة وسامجة!
موجة الجحود: التي أثارها بعض مراهقي مواقع التواصل ببعض الدول العربية، والتي هاجموا فيها السعودية، رغم مواقفها التاريخية، هي فورة وقتية لعقول سطحية تدار بريموت كنترول الشعبوية، هؤلاء الصبية الذين يتنقل البزر منهم كالحية الرقطاء بين المنصات، تجده في السناب شات مصفف شعره بـ»الجِل» و»الكِريم» و»سروال طيحني» يروج للرومنسية، وفجأة يخلع إكسسواراته ويغير الخلفية، ويرتدي قناع المناضل لخوض معارك القومية وهموم الشعوب العربية في (منصة تويتر - أكس) و(الفيس بوك)، قبل أن يخلع قناع النضال الوهمي، ويشعل مصباح حجرته المشبوهة، ويفتح (التيك توك)؛ ويتصفح المقاطع المخلة، ويدخل في سباقات البثوث القمارية مع الساقطة واللقيطة!!
موجة الجحود: التي أثارها بعض زعماء الفصائل المنشقة، التي يتعارض منهجها مع خطط وقرارات السلطة الشرعية، والتي يتبع ولاءها وأجندتها لدول ومنظمات أجنبية، وإن روجت للشعارات الوطنية؛ العمامة، غصن الزيتون، حمامة السلام، أطفال الحجارة، البندقية، هي في حقيقة الأمر عصابات انتهازية، تقتات على العمالة والجاسوسية، الحروب الأهلية، الانتفاضات الصورية، وأرواح ودماء الأنفس البريئة، كنوع من الدعاية الإنسانية، التي تدر الملايين التمويلية لمخططاتهم التوسعية، والتي لا تستغل لجبر مصاب أسر الضحايا وتحسين ظروفهم المعيشية، وإنما لبناء المعسكرات الانقسامية، وترويج المؤثرات العقلية، وتنظيم الثورات الانقلابية!!.
بعد هذا الاستعراض السريع والعميق لموجة الجحود العارمة التي اجتاحت بعض البلاد العربية، تجاه التبرعات المالية والمساعي السياسية لبلادنا الغالية، نصل إلى الإجابة الشافية لذلك السؤال الملح الذي طرحناه في البداية: لماذا ينكرون فضلنا؟!، والحقيقة لأنهم طبقة مغمورة، مراهقة، جاهلة، شعبوية، منشقة، فيما تحفظ لبلادنا الحبيبة كافة الحكومات الرسمية، الشعوب الأصلية، العقول النيرة، المتفتحة، الحضارية، فضلها التاريخي على الأمتين العربية والإسلامية.