Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

لعنة الوجود الإسرائيلي مجددًا..!

A A
في مقالِ الأسبوع الماضي، الذي تمَّ إعداده على عجالة، كان العنوان (لعنة الوجود الإسرائيلي وعدم وحدة العرب). وفي هذا المقال أتابعُ الموضوعَ لعلَّ وعسى أنْ يسعفني الحظُّ في إيضاح أكبر للأسباب والمسبِّبات التي أحاطت بترحيل اليهود، وقضيَّتهم من أوروبا إلى فلسطين، والتي خلقت لديهم عُقدةَ المظلوميَّة والانتقام.. والتي برغم وجود علماء ومفكرين في صفوف الجاليات اليهوديَّة لم يستطيعوا تفكيك صراعاتهم النفسيَّة، والتصالح مع الذَّات؛ حرصًا على أجيالهم من الضياع، والسير في طريق الكُرهِ والتَّعالي والانتقام، وعدم القدرة على التَّعايش والاندماج في المجتمعات التي يوجدون فيها. وظنُّوا أنَّه بمجرَّد وجودهم في مكان واحد، ودولة مبنيَّة على خلاف المُتَّبع في تكوين الدُّول وتطورها، ظنُّوا أنَّهم سيبقُون في معزل عن عالم السِّلم والتَّعايش والتَّسامح والواقعيَّة التي تتطلَّبُها التَّجمُّعات الإنسانيَّة بداية وتقدُّم وتوسُّع ورقي، إلَّا أنَّ عُقدة شعب الله المختار -العالقة في أذهانهم- بقيت المسيطرة على كلِّ حياة الإنسان اليهوديِّ أينما كان، في دولةٍ خاصَّةٍ به، أو في دولة ومجتمع آخر.. تباكُوا وتظلَّمُوا بـ(الهولوكوست).. المحرقة النازيَّة، وقتل الملايين منهم على يد هتلر، وثقُوا أنَّهم سيعيشون عليها إلى الأبد، ولكنَّهم عندما سُمح لهم بالعيش في فلسطين، استحضرُوا أكذوبةَ ما حصل لهم في الماضي، وطبَّقوه على الفلسطينيِّين.

والحربُ الهمجيَّةُ الوحشيَّةُ التي يخوضُونها ضدَّ الأبرياء في غزَّة من أطفال ونساء وشيوخ من الشعب الفلسطيني، أكبرُ دليلٍ على انفصام في السايكو اليهوديِّ على كل المستويات، في سيكولوجيَّة الشعب اليهوديِّ الصهيونيِّ.. وكتاب مايكو بيليت ابن الجنرال «Generals Son» يهودي الأصل، وعسكري سابق يشرح ويوضِّح واقع إسرائيل وعنصريَّتها واستعمارها الظالم للشعبِ الفلسطينيِّ.

والمعضلة الكُبْرَى أنَّ أصدقاءَهم وداعميهم في المجتمعات التي رحَّلتهم إلى فلسطين، ورعتهم، ووفرت لهم كلَّ الإمكانات ليكونُوا غيرَ بعيدٍ عنهم، لم يسلمُوا من سمومِ عُقدة الانفصام والكُرهِ والبغضاء المتأصِّلة في تربيتهم وسلوكيَّاتهم.. ومشاهد الكُرهِ للسَّاميَّة التي يراها العالمُ في أمريكا وأوروبا، والرُّعب الذي يحيطُ بالشَّباب اليهوديِّ أينما وُجِدوا في المدارس والجامعات والمجتمعات أصبحت ظاهرةً تطفحُ على السطح في وقت الأزمات، وبأدلَّة الممارسات تُثبت القياداتُ الصهيونيَّةُ ما يظنُّه النَّاسُ بها من تعصُّبٍ وتَعالٍ وكُرهِ الغير. وأيُّ شخصٍ ينتقدُ سلوكيَّات الصهاينة يُوصم فورًا بمعاداة الساميَّة.. شعب الله المختار كما يزعمُون، وفي كلِّ الحروب الكونيَّة والأزمات السياسيَّة والاقتصاديَّة كانت الصهيونيَّة موجودة.. ولابُدَّ من الاعتراف بأنَّ شخصيَّات كثيرة من اليهود شاركُوا وأبدعُوا في الحضارة الإنسانيَّة، ومع ذلك لم تستطع تلك الشخصيَّات تفكيك عُقد الصهيونيَّة العالميَّة المزمنة.

«آنشتاين» العالم الكبير، و»شومسكي» المناوئ لما تفعله إسرائيل بالشعب الفلسطينيِّ، والقائمة تطول توخِّيًا لعدم التَّعميم والوقوع في المحظور.. «هنري كسينجر» الذي هاجر إلى الولايات المتَّحدة وهو طفل، أصبح مهندس السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة.. «ماركس» فيلسوف الاقتصاد والشيوعيَّة.. و»اينشتاين» بنظرية النسبيَّة، وعالم الذرَّة الشهير «اوبن هايمر»، و»نعوم شومسكي» عالم اللسانيَّات، ومرَّة أُخْرَى القائمةُ تطولُ حول أعلام اليهود.

«نتنياهو» الصهيونيُّ المتطرِّفُ صناعة أمريكيَّة، ولكنَّه بنى سمعته في السياسة الإسرائيليَّة على كُرهِ الفلسطينيِّين والعرب بعامَّة..!

الحربُ الإجراميَّةُ على غزَّة -بكلِّ آلامها- كشفت وعَرَّت الصهيونيَّةَ العالميَّةَ، وأصبح الرأي العالميُّ يدركُ مَن هي الصهيونيَّة العنصريَّة المارقة على كلِّ الأعراف الإنسانيَّة، والقوانين الدَّوليَّة، والقيم التي تشكِّل الحصانات الإنسانيَّة في المجتمعات في كلِّ دول العالم إلَّا في دولة شعب الله المختار كما يدَّعُون.

أتى اليهودُ إلى فلسطين مطرودِين من أوروبا، والآن يفعلُون الشيء نفسه بشعبِ غزَّة يقتلُونهم ويشرِّدُونهم من أراضيهم ومنازلهم بشكلٍ مأساويٍّ يندى لها الجبينُ، ويدمِّرُون المستشفيات، وأماكن العبادة، والبنية التحتيَّة، ويمنعُون الماءَ والكهرباءَ والعالمُ يتفرَّجُ..!

إنَّ سياسة الكَيل بمكيالين من قبل أصدقاء الكيان الصهيوني تحديدًا أمريكا وبريطانيا وفرنسا هم مَن شجَّع نتنياهو وحكومته اليمينيَّة المتطرِّفة على الإقدام على ارتكاب جرائم حربٍ ضدَّ سكَّان غزَّة من الأطفال والنساء، فهل يفلتون من العقاب، أم أنَّ محكمة العدل الدوليَّة ستنصف الشعبَ الفلسطينيَّ في غزَّة والضفة الغربيَّة، وأهل غزَّة خاصَّةً، ويُحاكم نتنياهو وعصابته المجرمين؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store