Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لماذا ينحازون لإسرائيل؟!

A A
* بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948، قام وفد عربي برئاسة (فارس خوري) مندوب بلاد الشام في الأمم المتحدة آنذاك، بطلب لقاء الرئيس (هاري ترومان) في البيت الأبيض، لإبداء مشاعر الغضب على الاعتراف بإسرائيل كدولة، ولتذكيره بما قام به العرب من دعمٍ ومساندة للحلفاء ضد دول المحور في الحرب العالمية الثانية.. وبعد استقبالهم وتقديم واجب الضيافة، قام (ترومان) بعرض خارطة كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط، قائلاً: أيها الأصدقاء، إن مجموع صحاري العالم يبلغ قرابة ثمانية عشر مليون ميل مربع، يقع القسم الأكبر منها في بلدانكم، وهذا ما شجعنا على المساعدة في إقامة دولة لليهود بين ظهرانيكم، كي يسهموا بعلومهم وخبراتهم وتجاربهم في إحياء تلك الصحاري، وتحويلها إلى مسطحات خضراء!.

* هكذا - بكل سطحية - برر (ترومان) للعرب الغاضبين مساندته لقيام دولة إسرائيل!!. وبغض النظر عن سخافة هذا التبرير ورميه المبطن للعرب بالجهل والتخلف، وعدم القدرة على تنمية بلدانهم، تمنيت لو أن (ترومان) بقي حياً إلى اليوم؛ ليرى بأم عينه كمّ الدمار الذي ألحقته الدبابات والطائرات وحتى الجرافات الإسرائيلية، ليس بالأرض المزروعة منذ عهد الفينيقيين والكنعانيين فحسب؛ بل وحتى بالمنازل والمستشفيات ودور العبادة التي تهدمها قوات الاحتلال على رؤوس من بها!.

* الانحياز الأمريكي والأوروبي العجيب وغير المُبرَّر لإسرائيل؛ مستمر منذ (زمانات) ترومان وحتى عهد بايدن، والحرب الحالية التي تشهد طغياناً إسرائيلياً مفرطًا ما كان ليحدث لولا المساعدة الأمريكية بشهادة اليهود الأمريكيين أنفسهم. تقول ستيفاني فوكس المديرة التنفيذية لمنظمة «صوت يهودي من أجل السلام»: «لقد جاء قرار الرئيس بايدن كارثياً على الرغم من الإرادة الواضحة للشعب الأمريكي (68% منهم يريدون وقف إطلاق النار)، لذلك فإن إدارة بايدن شريكة في هجوم الإبادة الجماعية الذي شنه نتنياهو على غزة، ومنح مساعدات إضافية بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل دون شروط!.

* لخّص الأمير تركي الفيصل في كلمته قبل أيام خلال مشاركته في «حوار المنامة» هذا الموقف الواضح بالقول: «منذ خلْق دولة إسرائيل عام 1948، فإنه كلما اندلعت أزمة أو حرب في منطقتنا، يتصاعد الحديث عن الحاجة إلى حل لمعالجة جذور الصراع، ورغم ذلك الجميع يتحدث، لكن لا يسيرون في الطريق حتى نهايته». ويضيف: «لم يكن هناك نقص أفكار أو مبادرات سلام أو قرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولكنها تقف أمام باب إسرائيل، بسبب الدعم غير المشروط من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ولذلك كل المبادرات ذهبت بلا جدوى، وبقي السلام هدفاً خيالياً».

* شرّق الخبراء والأكاديميون وغرّبوا في محاولة تفسير أسباب هذا الدعم النادر في خريطة العلاقات الدولية، والذي كثيرًا ما يأتي عكس إرادة المجتمع الدولي، فأرجعه البعض إلى الترابط الديني بين الصهيونية والبروتستانتية، وأعاده البعض الآخر للتحالف القائم على المصالح الإستراتيجية بينهما، بينما أرجعه قسم ثالث إلى ضغط اللوبي وجماعات اليهود الأمريكيين.. وأياً كان السبب، فإن الثابت الوحيد هو أن إسرائيل زرعت بالفعل فلسطين؛ وأجرت بها الأنهار، كما توقع الرئيس ترومان في ١٩٤٨.. لكنها زراعة من نوعٍ آخر، فقد زرعت حقول القتل والدمار في كامل الأرض المحتلة، وسقتها بأنهار الدم، خصوصًا دماء الأطفال.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store