Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

سي 130

A A
لو سمعت أو قرأت عن أي كارثة في العالمين الإسلامي أو العربي، فتأكد من معلومتين: أولاً، أن المساعدات السعودية ستكون في الطليعة لميدان الحدث بسرعة، وهدوء، وفعالية.. وثانياً، أن طائرات السي 130 التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية ستكون حاملة للمساعدات العينية من أفراد مؤهلين، وغذاء، ودواء، وكساء. والطائرات المذكورة تستحق وقفة تأمل، فهي الأقدم في أسطول قواتنا الجوية، فقد بدأت الخدمة في عام 1969، وفي تقديري أن متوسط أعمارها أكبر من متوسط أعمار طيّاريها، بل وربما يكون أكبر من متوسط أعمار قرَّاء هذا المقال.. وبالنسبة لي شخصياً، بعدما وصلت لفئتي العمرية المتقدمة، أقف احتراماً لأي من المنتجات المتميزة التي تكبرني عمراً، وبالذات تلك التي تتألق بأدائها وقدراتها بعد مرور سبعين سنة على تصنيع أول نماذجها من شركة «لوكهيد» في الولايات المتحدة.. واسم C130 يرمز إلى أنها طائرة شحن «Cargo»، وتصميمها كان في غاية الذكاء، فقد صُمّم بدنها لاستيعاب أكثر المركبات الحربية استخداماً في ميادين المعارك في تلك الفترة.. وتم تخفيض مستوى بدنها وكأنه يلامس الأرض، لتيسير دخول وخروج الحمولات منها.. وزوّدت ببابٍ كبير ليبتلع المعدات، ثم يخرجها بيسر على الأرض، أو حتى في الجو، وتم رفع جناحيها لتكون موصلة بأعلى بدن الطائرة، لتكون محركاتها الأربعة المروحية القوية بعيدة عن الملوثات والشوائب الأرضية أثناء حركتها على الأرض، وصمّمت لها مقصورة قيادة رحبة، وقابلة للتحديث بسهولة.. وأما أداؤها في الجو فهو مذهل، حيث يمكنها الإقلاع - بإرادة الله - من أماكن غير معبّدة.. وتستطيع - بمشيئة الله - أن تعمل من مدرجات قصيرة تعادل تقريباً خمسة أمثال طول ملعب كرة قدم، بالرغم من حجمها الهائل ووزنها الذي يصل إلى أكثر من سبعين ألف كيلوجرام.. وتستطيع أن تطير بسرعة تفوق الستمائة كيلومتر في الساعة، بحمولات تفوق وزن عشرة سيارات من طراز «لاند كروزر»؛ لمسافات تصل من جدة إلى نيويورك، علماً بأنها ممكن أن تُزوَّد بالوقود جواً.. وبالرغم من كل ما ذُكر، لم نصل إلى أكبر مميزات هذه الطائرة الجبارة، وهي مرونتها.. السي 130 هي بطلة السلم والحرب، فهي تتألق في العديد من الاستخدامات المختلفة، مثل الشحن الجوي، ونقل المرضي، ونقل الجنود، والمراقبة والتحكم، والقصف الجوي، والتنصت والتشويش، والتزويد بالوقود، وأبحاث الأرصاد، والبحث والإنقاذ، وعشرات المهام الأخرى.. لم تنافسها منافسة جادة أي طائرة إلى اليوم.. ولا نستغرب أن اسمها «هرقل»، نسبةً إلى الأسطورة التي تمثل القوة الخارقة.. ولا نستغرب أنها عماد النقل الجوي في أكثر من ستين جهة حول العالم، وقد باعت الشركة أكثر من ثلاثة آلاف طائرة من هذا الطراز.

وأود أن أتقدم بالاعتذار لمحبي هذه الطائرة المتميزة، لأنني كتبت عنها مسبقاً، ووصفت شكلها بأنه «قبيح»، وأنها «دبة»، وهذا لا يليق بمكانتها، فبناءً على متطلبات أدائها، فهي طائرة جميلة، ويمتد مفهوم جمالها من تفوّقها في المهام التي تنجزها في المجالات المتعددة.

* أمنيـــــــة:

نرى هذه الطائرة المتميزة حاملة العلم السعودي بفخر؛ لتساهم في عمليات الإغاثة في كارثة غزة.. وتوصل بفعالية الإمدادات الهائلة اللازمة من أراضي الوطن إلى مطار العريش في مصر الشقيقة؛ في طريقها إلى المدينة الصامدة.. وبالرغم من كل ما ذُكر أعلاه، لم أذكر أهم ما يميز هذه الطائرة، وهو الرجال الغاليون الذين يُشغّلونها بأمان، ومهنية، وهدوء، سواء كانوا الطواقم الجوية أو الأرضية.. أتمنى أن نكّون في ذاكرتنا الوطنية المكانة اللائقة للدعم الوطني للمساعدات لأشقائنا في فلسطين وكل مكان بالرجال والمعدات بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store