Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

اتحاد البذاءة والأكاذيب!

A A
* أسوأ فترات التَّاريخ السياسيِّ العربيِّ -في نظري- هي فترة الخمسينيَّات والستينيَّات الميلاديَّة، ليس بسبب انقلاباتِها الدمويَّة، واضطراباتِها ونكساتِها العسكريَّة التي مازالت المنطقة تُعاني من تبعاتِهَا الكارثيَّة حتَّى اليوم وحسب، بل لأنَّ ما غرسته في وجدان تلك الأجيال من أوهامٍ وأكاذيبَ وشعاراتٍ زائفةٍ، وما أدخلته في قواميسهم من مصطلحاتِ (الوقاحةِ) والشتائمِ ومفرداتِ التَّخوينِ التي راجت في ظلِّ قلَّة الوعيِّ، وانتشار الفكر الشيوعيِّ الثوريِّ، وطوباويات النظمِ الاشتراكيَّة التي كانت تدغدغُ أحلام الفقراء منهم بالعدالةِ الاجتماعيَّة، وتوزيع الثَّروة.. والأنكى هو ما تولَّد عنها من أيديولوجيات هجينةٍ، مثل: القوميَّة والناصريَّة والبعثيَّة، وغيرها من الأفكار اليساريَّة المفلسة، التي لم ينجح أحدٌ منها في تغيير أيٍّ من قضايا الأمَّة، التي كانوا يتاجرُونَ بشعاراتهَا صباح مساء، بل إنَّهم لم يغيِّرُوا حتَّى واقع بلدانهم الذي ما زادته تلك الأكاذيبُ والشعاراتُ إلَّا بؤسًا وشقاءً.

* لقد قلبت تلك الفترة الكثير من المفاهيم والقيم والحقائق رأسًا على عقب، فالعدو -في نظرهم- صار هو أبناء جلدتهم من العرب المسلمين، الذين لا يدورُونَ في فلك الماركسيَّة الحمراء، والغنيمة هي بترولُ تلك الأنظمة المستقرَّة، وتحرير القدس لابُدَّ أنْ يمرَّ -من منظورهم- باحتلالِ كلِّ العواصم العربيَّة الغنيَّة أولًا..! أمَّا القوَّة فلم تكنْ تعني عندهم أكثر من الكذبِ والتَّفننِ في البذاءةِ، حتَّى أنَّ الإذاعات والصُّحف كانت تتسابقُ على استضافةِ الأعلى صوتًا منهم، والأطول لسانًا، والأكثر صراخًا وقدرةً على الكذب، فتربَّى جيلٌ كاملٌ على أكاذيب أحمد سعيد، وبذاءات مظفَّر النواب، وأحمد مطر، وشطحات أحمد فؤاد نجم، وغيرهم كثير ممَّن أصبحُوا نجومًا لمجرَّد أنَّهم امتهنُوا الشتيمة، وجعلُوا رزقَهم أنَّهم يكذبُونَ.

* تراجعت أسواقُ الوقاحةِ بعد هلاك معظم زعماء اليسار، وسقوط أيديولوجياتهم، لكنَّها بقيت مشتعلةً مثل (نار الدمن) في صدور الكثيرين من الجهلة والغوغاء، ممَّن تربُّوا عليها، أو ورثُوها عن أسلافهم، إلى أنْ ظهر إعلام (الإخونجيَّة) بعد سنواتٍ طويلة من الكمون، والاختباء، ليتَّحد مع بقايا أعداء الأمس من القومجيَّة؛ بهدف إشعال ساحات إعلام (الوقاحةِ) من جديد، ضدَّ نفس الأهداف، ولا يخفى على علم القارئ الكريم أنَّ أكثرَ ما يميِّز (الإعلامَ الإخونجيَّ) هو الفجورُ في الخصومةِ، واللعبُ على أوتارِ العاطفة الدينيَّةِ، والتي تجد قبولًا واسعًا في منطقتنا العربيَّة.

* لا أظنُّكَ ستسألُ -الآن- لماذا تواجه السعوديَّةُ، والدُّولُ العربيَّةُ المستقرَّةُ كلَّ هذا السيلَ العرمرمَ من البذاءاتِ والأكاذيبِ، بعد أنْ عَرفت أنَّه نتاجُ هذا الاتِّحاد المغرق في السفالةِ والانحطاطِ. أمَّا إنْ كان سؤالُكَ: لماذا لمْ تتخلَّص هذه العقليَّاتُ العربيَّةُ من هذه الأيديولوجياتِ السَّامَّةِ رغم كل هذه السنواتِ من الفشلِ والخيباتِ، ورغم سوءِ نتائجها الواضح، وتدميرها لمعظم البلدانِ التي احتضنتها؟! فسأقول لكَ بكلِّ بساطةٍ: لأنَّهم اعتنقُوها كعقائدَ، والعقائدُ في الغالبِ لا تموتُ إلَّا بموتِ أصحابِهَا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store