Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

ثنائية العمل والملل

الحبر الأصفر

A A
أي يوم يمرُّ من حياتي من غير عمل يشعرني بأنَّني مثلُ اللِّصِّ، الذي سرق شيئًا ليس له.. اليوم له ثمنٌ، وثمنه العمل.. لذلك إذا زارني اليوم ولم أملأه بالعمل، أصبحُ مثلَ مَن يأخذ شيئًا ليس له، وهذه القاعدة تعلَّمتها من المفكِّر باسكال، حيث يقول: «يتبيَّن لي أنَّني أرتكبُ عملًا لصوصيًّا

إذا مرَّ يومٌ ولم أعملْ فيه»، العملُ هو الثَّمن الحقيقيُّ الذي تشتري به الأيَّام.

في العمل كانت المهارةُ هي القِبلة التي أقصدُهَا، وقيمة المرءِ تتحدَّد من خلال العمل الذي يجيده، وقد تعلَّمتُ ذلك من الإمام عليٍّ حيث يقول: «قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحسنُهُ»، هذه المقولة متجاوزة لحدود الزَّمان والمكان، فهي عبارةٌ صالحةٌ لكلِّ الأوقات.. وعندما ترفعُ من مهارتك قطعًا سترفع من قيمتك.

لذلك؛ أرحبُ بأيِّ عمل شريف، وأقتدي بأجدادي الأدباء والعلماء، فقد كان جدِّي الجاحظ يعملُ في محلِّ بيع الخبز والسَّمك، أمَّا جدِّي أبو منصور الثَّعالبي فقد كان فرَّاءً يخيطُ جلودَ الثَّعالب، فنُسب إلى صناعته، ولُقِّب بالثَّعالبي.

وحين أبدأُ بأيِّ عمل إبداعيٍّ أو فكريٍّ أحاولُ أنْ أتجرَّد من علاقتي الشخصيَّة بهذا العمل، ومن تجاربي فيه؛ لأنَّ إدخال تجاربي سواء كانت فالحةً أو طالحةً ستؤثِّر على مسار الفكرة.. وحين كتبتُ كتابًا عن «الزَّواج» حاولتُ تطبيق هذا المنهج الصَّارم، لقد تعلَّمتُ هذا من شيخي بابلو بيكاسو حين قال: «إنَّني أتركُ جسدي بالخارج حين أقومُ بأداء عملي، التجرَّدُ فنٌّ وقليلٌ مَن يستطيعُونَ القيامَ بهِ».

حسنًا ماذا بقي:

بقي القول: لقدْ أدركتُ منذُ زمن طويل أنَّ لدي طاقةً جبَّارةً مثلكم، وكان لديَّ خياران، إمَّا أنْ أطلقَ طاقاتي في التذمُّر والتَّشكي والمَلل والبُكاء على مرارة الواقع، وإمَّا أنْ أستثمرَ طاقتي في العمل والبحث عن النَّجاح، وزراعة الأمل، وإشعال الحماس، وتغذية الشغف، وهذان الخياران لكم.. فماذا تختارُون؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store