Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الإبداع في حفلات المدارس.. واللغة العربية

A A
تستهويني تلك المناسبات التي تكونُ فريدةً في فكرتها من الألف إلى الياء -كما يقولُون- رغم أنَّ جملة من «الألف إلى الياء» تغيِّرت في لغة القوم -ليس فقط صغار السِّن، بل حتَّى الكبار- بـ(From A to Z)، هكذا أصبحت كلمات معظم المتحدِّثين -سواء في محاضرات باللغة العربيَّة، أو في وسائل الإعلام، وفي الحوارات المُتلفزة- تُحشَى بكلماتٍ إنجليزيَّة حشوًا دون داعِ، إلَّا لإثبات تمكُّنهم من لغةٍ أجنبيَّةٍ.

لا أحدَ ينكر أهميَّة اللغات للإنسان، صغيرًا أو كبيرًا، مَن يمتلك أكثر من لغة تُمثِّل له ثراءً معرفيًّا، وقدرةً على التَّواصل مع الآخر، فقد أُعجبتُ وافتخرتُ بتحدُّث شابَّين باللغة الفرنسيَّة مع الكاتب الفرنسيِّ أوليفر رولين؛ خلال ندوة مناقشة سيرة أعماله الأسبوع الماضي في مقهى «نوق»، الشَّريك الأدبيِّ مع وزارة الثَّقافة، تمنَّيتُ لو أنِّي أجدتُ اللغة الفرنسيَّة لأتمكَّن من التَّحاور مع الكاتب دون وسيط.

اهتمامنا باللغة العربية، ومطالبتنا بالتحدث بها نقيةً، في الملتقيات والمؤتمرات والمهرجانات؛ لأنها تمثل هويتنا العربية، ولأنَّ جيلنا وأجيالا قبلنا وبعدنا لم تتح لهم فرصة التمكن من اللغات الأجنبية للتحدث بها؛ لذلك يجد عنتاً عندما يشاهد لقاءً تلفزيونياً بين كلمة وأخرى تحشر لغة أخرى لا يفهمها، فيصبح الإنصات عبثاً، يصرفه إلى موضوعٍ آخر.

كما أنَّ هذه الأجيال التي تدرس كلَّ المناهج باللغة الإنجليزيَّة والفرنسيَّة، بجانب المنهج العربيِّ، تستخدم أجهزة إلكترونيَّة لغتها إنجليزيَّة، وتستخدم في محادثاتها اللغة الإنجليزيَّة، فكان لزامًا على المدرسة ربطهم بلغتهم، هويَّتهم، ربطًا وثيقًا بكلِّ الوسائل، والفن أقرب وأنجع وسائل التَّعبير عن الهُويَّة والارتباط بها، وهو ما أقرَّته الدَّولة من خلال الاحتفالات بالمناسبات المختلفة، إلَّا أنَّ التميز بين احتفالية وأُخْرى، هو قدرة القائمين عليها على الإبداع في اختيار الفكرة، وتقديمها بصورةٍ مبتكرة مبهرة، لكن -للأسف- معظم الحفلات تكرار لأفكارٍ مكررةٍ أو مستنسخةٍ؛ لأنَّ بعض منسوبات المدارس لا يمتلكنَ مقومات الابتكار والإبداع والتجديد، وهنَّ مجبرات على مجاراة المناسبة، بعد أنْ أصبح الاحتفال بالمناسبات الوطنية والعالمية جزءًا من الثقافة العامة للوطن.

احتفالات مدرسة بيتي الصَّغير، دائمًا تُفاجئ الحضور، أُمَّهات ومدعوَّات، بحفلٍ مختلفٍ، مبهرٍ وممتعٍ، لا تشعر بالزَّمن وأنت تتابع الزَّهرات والبراعم يقدِّمُون الفقرات بإتقانٍ شديدٍ. هذه المرَّة عندما وصلتنِي الدَّعوة الأنيقة -وهي من تصميم وتنفيذ المدرسة- لم أتوقَّع أنَّها ستكون مهرجانًا للفُصحى، غناءً، وموسيقى، وأداءً حركيًّا، تنظيم القسم الدَّولي للصُّفوف العُليا ترأسه سامية مراد. لم أكنْ أتوقَّع أنْ أرى المسرح يمتلئ بالعازفين والعازفات.

كلمات التَّرحيب قدَّمتها الصَّغيراتُ:

بِكِ تَاجُ فَخْرِي وانْطِلاقُ لِسَانِي

وَمُرورُ أيَّامِي ودِفءُ لِسَانِي

لُغَةُ الجُدودِ وَدَرْبُنَا نَحْوَ العُلَا

وَتَنَاغَمَ اليَّاقُوتُ وّالمَرْجَانِ

الفرقة الموسيقيَّة من الطلبة والطالبات من ذات المرحلة وهُم يحملُونَ آلاتِهم الموسيقيَّة، ويأخذُونَ أماكنهم في أبَّهةٍ وجلالٍ، وأمامهم يقفُ المايسترُو، وأمامه النوتة، ممسكًا بالعَصا الموسيقيَّة، والطالبة التي تؤدِّي دورَ المطربةِ بأناقتِهَا وطلَّتِهَا تتقنُ اللَّحنَ والكَلِمَ، رغم صعوبتهما؛ أغنية «لنْ أَسْلَاكُم» للشَّاعر عبدالعزيز سعود البابطين، غنَّتها الفنَّانةُ اللبنانيَّةُ ولاء الجندي، وحصلت على جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشِّعر العربيِّ.

الموشَّحات الأندلسيَّة: جَادَكَ الغَيْثُ، من تأليف العلَّامة الشَّاعر لسان الدين ابن الخطيب، غنَّتها الفنَّانة فيروز، تمكَّنت الطالبةُ من غنائها على المسرح بصوتها، مع الفرقة الموسيقيَّة البديعة.

كذلك تمكَّن الطلبةُ من أداء أغنية الرَّاب «أسْيَاد الكَلِم»، التي صنعها الشَّاعر السودانيُّ، وصانع الأفلام أمجد النور بأسلوب الرَّاب، تغزُّلًا في اللغة العربيَّة، استطاع من خلالها دمج الغناء السَّريع الغربيِّ مع كلمات اللغة العربيَّة.

لِمَ يجبُ علينا تعلُّم اللغة العربيَّة؟ لِمَ أقحمْ في مخِّي لغةً لا طائلَ منهَا في الدُّنيا؟ ما جدَّوًا نبقي بكلماتٍ من زمن خريش محكيَّة؟ هل نحن بعصرٍ عباسيٍّ أم عصرِ الدَّولة الأمويَّة؟ في هذه الحقبة الزمنيَّة.. قل: أينَ هِي العربيَّة؟

والكثير المبتكر في حفلات بيتي الصَّغير، بفكر ورؤية مؤسِّستها عواطف مراد وشقيقاتها.

ألفَ شُكر سامية مراد، أضأتِ صباحِي بالبهجةِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store