Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

اللغة الشاعرة تحتفي بنفسها..!!

سديم

A A
* تقول التقارير المحقَّقة: إنَّ الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية بدأ في عام 2013 (18 ديسمبر من كل عام)، وهو التأريخ نفسه الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية سادس لغة رسمية لها، وذلك قبل نحو أربعة عقود، أي في عام 1973م.

* ولا شكَّ أنَّ مبدأ هذا الاحتفاء في ذاته، واجب يمليه صحيح الانتماء؛ ولكنَّ الصحيح -أيضًا- ألَّا يقف هذا الاحتفاء عند حدود يومه وكفى؛ ولكنَّه يتجاوز ذلك، بإبراز ما تمتلكه هذه اللغة من خصائص متفرِّدة؛ فضلًا عن إسهاماتها المعرفيَّة، والعلميَّة، والفكريَّة، الأمر الذي كان له أثره الإنساني حتى يومنا الحاضر.

* قيل، وبعض القول حقيقة: إنَّ اللغة العربية وُصفت قديمًا، كما تُوصف حديثًا بأنَّها لغة شعريَّة، وهم بهذا يقصدون -من باب الاعتزاز المحمود- أنَّها لغة يكثر فيها الشعر والشعراء، وأنَّها لغة مقبولة في السمع، بحيث يستريح إليها السامع، كما يستريح إلى النظم المرتَّل، والكلم الموزون، وأنَّها لغة يتلاقى فيها تعبير الحقيقة وتعبير المجاز على نحو لا يُعهد له نظير في سائر اللغات.

* تلك إشارات جادَ بها كتاب «اللغة الشاعرة» لعباس محمود العقَّاد -رحمه الله-، مع الإشارة لمقولة الجاحظ التي تؤكد انفراد اللغة العربية بـ»العروض»، وتلك المقولة -كما يرى العقَّاد- تجمع ما بين العلم والحق، ولا مبعث فيها للفخر والعصبية؛ لأنَّ الفخر كثيرًا ما يزيد على تقدير الواقع ذهابًا مع العاطفة.. أمَّا الحقيقة هنا فهي أكبر من قول القائلين إنَّ اللغة العربية لغة شعرية؛ لانفرادها بفنِّ العروض المحكم، أو جمال وقعها في الأسماع، فإنَّها لغة شاعرة، ولا يكفي أنْ يُقال عنها أنَّها لغة شعر، أو لغة شعرية. وجملة الفرق بين الوصفين أنَّ اللغة الشاعرة تصنع مادة الشعر وتماثله في قوامه وبنيانه، إذ كان قوامها الوزن والحركة، وليس لفن العروض ولا للفن الموسيقي كله قوام غيرها.

* وبمناسبة هذا الاحتفاء؛ فإنَّ من واجب القارئ العربي، إلى جانب غيرته على لغته أن يذكر أنَّه لا يطالب بحماية لسانه، ولا مزيد على ذلك؛ ولكنَّه -وفقًا لتعبير العقَّاد- مُطالَب بحماية العالم من خسارة فادحة تصيبه بما يصيب هذه الأداة العالمية من أدوات المنطق الإنساني، بعد أنْ بلغت مبلغها الرفيع من التطور والكمال، وأنَّ بيت القصيد هنا أعظم من القصيد كله؛ لأنَّ السهم في هذه الرمية يُسدَّد إلى القلب، ولا يقف عند الفم واللسان، وما ينطقان به في كلام منظوم أو منثور.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store