Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي خضران القرني

صور اجتماعية

A A
بينما كنتُ عائدًا من سوق (البلد) في المدينة إلى بيتي، بعد شراء بعض مستلزمات المنزل، استأجرتُ سيَّارة تاكسي، وفي أثناء الطَّريق لاحظتُ أنَّ السَّائق كانَ ملثَّمًا وملتزمَ الصَّمتِ، ولو لم أكنْ داخل المدينة المكتظَّة بحركة المارَّة لأوجستُ خيفةً منهُ!

وبعد الوصول للمنزلِ، وإنزال الحاجاتِ من السيَّارة أراد الذِّهاب، قلتُ له: قفْ يا هذَا، خُذ الأجرةَ، وكان عجلًا ومرتبكًا، وبعد إمعاني في شكلِهِ وحركاتِهِ والتفاتِهِ لي! قلتُ له: ألستَ فلانًا؟ ففكَّ اللِّثامَ وتبسَّم ضاحكًا في استحياءٍ وقال: بلى؟ قلتُ: ولماذَا التخفِّي إذنْ؟ قال: حاولتُ ألَّا تكتشف ممارستي لهذه المهنة، وكنتُ موظَّفًا! وخشيتُ أنْ تحتقرَ مزاولتي لها! والتي أردتُ من خلالها إعانتي في سدِّ بعض متطلَّبات الحياةِ لعدمِ كفايةِ راتبي التَّقاعدي لذلك.

قلت له: أشكرُ لك عصاميَّتك وحُسن تصرُّفك، ومهنة التَّاكسي، وما يماثلها من الأعمال الخاصَّة، لا تعيب الرَّجال أمثالِكَ، وتُعتبر من المهنِ الشَّريفةِ، التي سدَّت حاجةً، وأغنت العديدَ من مزاوليها، ولستَ الوحيدَ مَن نهج هذا السَّبيل القويم، فأمثالُكَ كثيرُون، وكانت خير معينٍ لهم في حياتهم المعيشيَّة والأسريَّة.

* خاتمة:

ليسَ عيبًا أنْ يمارسَ الإنسانُ -أيُّ إنسانٍ- سواءً كان شابًّا، أو عاطلًا، أو متقاعدًا، أيَّ مهنةٍ، يستطيع من خلالها سدَّ رمقِهِ ومَن يعول، بل هي رجولةٌ وعادةٌ جُبِلَ عليها أعزَّاء النُّفوس الأبيَّة، ممَّن آمنُوا بأنَّ (اليدَ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلى) ومَن يتأسُّون بمقولةِ أحد الخلفاء -رضوان الله عليهم- (يُعجبُنِي الرَّجل حتَّى إِذَا قِيلَ لَا صناعةَ لهُ سقطَ مِن عَينِي) أي لا عملَ له؟ ولا تستغربْ إذا رأيتَ مَن يحملُ مؤهَّلًا عاليًا، وهو يمارسُ وظيفةً دونيَّةً، في انتظارِ العمل المناسبِ، و»الحاجةُ أمُّ الاختراعِ»، والحياةُ صبرٌ وكفاحٌ ومُكابدةٌ، والنَّجاحُ فيها لمَن آمن بذلك؟ وقديمًا قال الشَّاعر:بقدرِ الكدِّ تُكتَسبُ المَعَالِيوَمَنْ طَلَبَ العُلَا سَهِرَ اللَّيالِيوَمَنْ طَلَبَ العُلا مِنْ غيرِ كَدٍّأَضاعَ العُمْرَ فِي طَلَبِ المُحَالِ

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store