Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

مظاهر استقبال الغيب!

A A
محاولات الخروج من نفق العام الذي حمل أيَّامه ورحل، إلى بداية العام الذي يهلُّ مقنَّعًا، يخفي ملامحه وهويَّة أيَّامه، بينما الكلمة الأخيرة منذُ الأزل هي لما قدَّره اللهُ لعباده، كلُّ تلك الاحتفالات التي يقيمها العالم هي مظاهر ومعتقدات وطقوس؛ تتكرَّر في كلِّ عام ميلاديٍّ بشكلٍ خاصٍّ.

حفلات رأس السَّنة الميلاديَّة بكلِّ ما يُنفق فيها، من موادَّ زينة تملأ الشَّوارع والمحلَّات في العالم الغربيِّ والعربيِّ، وفي كثير من دُول العالم الثَّالث، وألعاب ناريَّة، سهرات، ومهرجانات كلُّها طقوسُ استقبال الغيب، مهما كانت أحلامك وأمنياتك، حتَّى لو عبَّأتها في حقيبة، وحملتها خلف ظهركَ، وجِبْتَ بها العالم تحتفلُ معه باستقبال العام الجديد، لنْ تعلم ما يُخبِّئه العام أو الأيَّام، فقط أمنيات، أو كما يقولون: عليكَ أنْ تسعَى، وليسَ عليكَ إدراكُ النَّجاحِ! حكمة أو مقولة ترسَّخت في وعينا منذ الصِّغر، تحثُّنا على العمل والسَّعي للوصول إلى النَّجاح، لكنَّ الوصول ليس مؤكَّدًا، المؤكَّدُ هو العزيمة الصَّادقة، هكذا هي الأمنيات، التحقُّق ليس مؤكَّدًا فقط، العمل بجدٍّ وعزيمةٍ صادقةٍ ليعمَّ السَّلامُ أرجاءَ الكونِ.

كل عام -ميلادي أو هجري- نحمله الكثير من الأمنيات، والتطلعات بأن يكون القادم أحلى، مع أن العالم -على مر التاريخ- لم يسلم من الحروب، والكوارث، والصراعات، والأمراض، والأوبئة، هكذا هي الأيام، «يوم حلو ويوم مر» كما يقولون، لكننا نشعر كل عام بأن العام الذي مضى كان أقسى.

عام 2021م، العام الذي توقَّفت فيه الحياة، الموبوء بـ»كوفيد- 19»، لم يسلمْ مجتمعٌ، أو وطنٌ، أو أسرةٌ، أو فردٌ من أذَى الوباء صحيًّا، نفسيًّا، اقتصاديًّا، كان الحلمُ وكلُّ الأمنيات تركَّزت في التخلُّص من وباء كورونا اللَّعين، حتَّى تخلَّصنا نهائيًّا من الوباء مع نهاية 2022م.

في 2023 حلَّ مكان الوباء، كوارثٌ، وزلازلٌ، وحروبٌ، وما يحدث -الآن- في غزَّة وشعبها، الذي مارست ضدَّه إسرائيلُ كلَّ صنوف القتلِ والحرقِ والتَّهجيرِ، بينما العالم يحتفلُ بالعام الجديد 2024م.

ولأنَّنا جزءٌ من العالم، ومن القرية الصَّغيرة، أصبح الاحتفال بليلة رأس السَّنة الميلاديَّة تقليدًا، انتشر في المطاعم، والمقاهي، وهو احتفالٌ يواكب المرحلة الحضاريَّة، والانفتاح الذي تعيشه المملكةُ، كما أنَّه غير مُلزمٍ لمَن لمْ يرغبْ في المشاركة، أو الخروج أو الاحتفال، وهذا في حدِّ ذاتِهِ يكفل للجميع حقَّ الاختيار، إمَّا مشاركة العالم في بهجة استقبال العام الجديد، أو الاكتفاء بمتابعة الاحتفالات على شاشات التلفزيونات، وهو في بيته، أو النَّأي بعيدًا عن المتابعة.

قِيَم المواطنة التي كفلتها الدولة، تمنحُ المواطنَ حريَّة اختيار ما يُناسبه، كذلك تمنح المقيمَ والسَّائح -في وطننا الكبير المضياف- حقَّ ممارسة معتقداته وطقوسه، وما كان يفتقدُه ويضاعف إحساسه بالغُربة.

لا شكَّ أنَّ الاحتفالات برأس السَّنة الميلاديَّة تختلفُ اختلافًا كبيرًا عن احتفالات المسلمين ببداية السَّنة الهجريَّة، حيث هجرةُ المُصطفى -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- التي أصبحت هي التَّاريخ الإسلامي؛ لأنَّ به يتحدَّد شهرُ رمضانَ، وشهرُ ذي الحجَّة.

في الحجاز، نحتفل بالعام الهجري بطريقة تتوافق مع الثقافة السائدة، والإمكانيات المتاحة، مثل قهوة اللوز التي تُقدَّم في الاجتماع العائلي، والملوخية، كونها تحمل لون التفاؤل «الخضرة»، لكن المظهر مهما كان بسيطاً وتراثياً، إلَّا أنَّه يُعبِّر عن توق الإنسان إلى مستقبل أجمل، وعام يحمل له الفرح والسعادة، يُداهنه بالبياض والخُضرة، وهو نفس التَّوق الذي يسيطر على العالم، وهو يستقبل العام الميلادي، «ليلة رأس السَّنة»، والفرح بالتخلُّص من عام مضى بكلِّ سيِّئاته وحسناته، كمن يخلعُ ثوبًا باليًا، ويستعدُّ لارتداء ثوب جديد، يأمل في أنَّه يُحدِث تغييرًا في حياتِهِ للأفضل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store