Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

الحل السحري لتقدم الأمم

A A
تقدُّم الدُول مرتبطٌ بصورةٍ مباشرةٍ بتقدُّم الاقتصاد في شتَّى المجالات خاصَّة الصِّناعة، وزيادة الصَّادرات، وخفض الواردات، والقضاء على البطالة، وتقليل معدَّل التضخُّم، وبالتَّالي زيادة معدَّل النَّاتج المحليِّ الإجماليِّ، وهذا الأمر لن يحدث إلَّا من خلال الاهتمام بالتَّعليم الذي يُعدُّ عنصرًا فاعلًا ورئيسًا في تحقيق أيِّ تقدُّم منشود، وإذا تأمَّلت تجارب الدُّول المتقدِّمة والتي تقود العالم الآن في الصِّناعة والتَّطوير والتقدُّم التكنولوجيِّ تجدها بدأت من نقطة الصِّفر، أو تحت الصَّفر -إنْ صحَّ التعبيرُ- فالتجربة الألمانيَّة بدأت بعد الحرب العالميَّة الثَّانية، حيث كانت برلين مدمَّرةً تمامًا، وكذلك التجربة اليابانيَّة.

وفي هذا الإطار، سنركِّز على تجربة سنغافورة، التي كانت تُعاني من مجاعة تفتك بالشَّعب، ولكنْ بفضل التَّخطيط والإرادة والاهتمام بالتَّعليم استطاعت التغلُّب على كلِّ التحدِّيات، وأصبحت تحتلُّ مرتبةً اقتصاديَّةً متقدِّمةً عالميًّا، فبعد أنْ استقلَّت سنغافورة من الاحتلال البريطانيِّ في عام 1959؛ نتيجةً لانتشار المجاعات، توجَّه رئيسُ الوزراء السنغافوري «لي كوان» إلى طلب المساعدات الاقتصاديَّة، ولكنَّ كلَّ محاولاته باءت بالفشل، وفي هذا الوقت كان ثُلث الشَّعب بلا عمل، ويعيش في منازل فقيرة، تفتقر إلى الحدِّ الأدنى لمقوِّمات الحياة، فلم يجد «كوان» أمامه للتغلُّب على هذه التحدِّيات إلَّا التَّصنيع الذي يعتمد على العمالة الكثيفة؛ للقضاء على البطالة، ورفع مستوى المعيشة، وتعظيم مصادر الدَّخل.

ولكنَّ الأمرَ ليس بهذه البساطة، فمعظم السكَّان ليس لديهم خبرةٌ في العمل في المجالات الخاصَّة بالتَّصنيع، وكلُّ خبراتهم تتراكم فقط في العمل في المحلَّات الخدميَّة والتجاريَّة، ولكنْ استطاع أنْ يتغلَّب على هذه الإشكاليَّة والتحدِّي الكبير من خلال إقامة علاقات تجاريَّة مع أوروبا، والولايات المتَّحدة، فيما يُعرف في هذا الوقت بـ «مجلس التَّنمية الاقتصاديَّة»، الذي كانت مهمَّته تتمثَّل في جذب الاستثمارات الأجنبيَّة، وإزالة أيِّ عوائق، أو قيودٍ، أو رسومٍ، وازدادت تدفُّقات الاستثمارات الأجنبيَّة المُباشرة الوافدة بشكلٍ كبيرٍ، حيث أنتجت الشَّركات الأجنبيَّة ما نسبته 75٪ من المنتجات الصناعيَّة، و85٪ من الصَّادرات المصنَّعة في الوقت نفسه، وارتفعت مُعدَّلات الادِّخار والاستثمار في سنغافورة، لتُصبح من بين أعلى المستويات في العالم، وأصبحت سنغافورة -الآن- واحدةً من الدُّول المتقدِّمة، وبسبب السِّياسات سالفة الذِّكر، ارتفع نصيبُ الفرد من النَّاتج المحليِّ الإجماليِّ من 320 دولارًا أمريكيًّا، إلى 60 ألفَ دولارٍ أمريكيٍّ.

يعد التعليم أحد العناصر الرئيسة في تجربة سنغافورة التنموية، حيث اهتمت الدولة بالأنظمة التعليمية غير التقليدية؛ للقضاء على الأمية والبطالة، لتوفير ما تحتاجه البلاد من أيدٍ عاملة، وخصصت 20% من مواردها للاهتمام بالتعليم، وهذا انعكس على جودة التعليم.

حديثي عن تجربة سنغافورة، لم يكن من قبيل المصادفة، ولكنَّه كان مُتعمَّدًا، فالكثير من الدُّول النَّامية أو الفقيرة تتحجَّج، أو ترى أنَّ سبب الفقر هو قلَّة الإمكانيَّات والموارد الطبيعيَّة، وهو ما أثبتت فشله سنغافورة، التي تعاني من قلَّة الموارد، واستخدمت كافَّة مواردها بالشكل الأمثل، ومع عجز هذه الموارد عن تحقيق التَّنمية المُستهدفة، لم يكن أمام سنغافورة خيارٌ إلَّا العمل على جذب الاستثمارات الأجنبيَّة التي كانت بمثابة الحلِّ السحريِّ لتعويض العجز الموجود في الإمكانيَّات، من خلال وضع الكثير من الحوافز، وإزالة الكثير من العوائق، إلى أنْ وصل الأمر أنَّ 75% من المنتجات في هذه الدَّولة مُنتَجة من قِبل الشَّركات الأجنبيَّة، مثلما ذكرنا سابقًا.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإنَّ ما ذكرناه سابقًا ما هو إلَّا من أجل تسليط الضُّوء على بعض السلبيَّات التي قد تعرقل تقدُّم أيِّ بلد، ولكنَّ الشيءَ المؤكَّدَ والمبشِّرَ هو أنَّ المملكة -بفضل الله عزَّ وجلَّ- استطاعت أنْ تضع يدها على الطَّريق الصَّحيح نحو التقدُّم، وتنويع مصادر الدَّخل، حتَّى لا نعتمد على مورد واحد فقط، وهذا بفضل الرُّؤية الثَّاقبة لخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين -حفظهما الله ورعاهما-، اللَّذين لا يدَّخران جُهدًا من أجل العمل على تحقيق مستقبل أفضل لشعب المملكة، وهذا واضح من إطلاقه رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تحويل المملكة لواجهة استثماريَّة رائدة في العالم، وهذه المشروعات وغيرها، تُعدُّ خطوة مهمَّة على طريق تحقيق مستقبل أفضل لشعب المملكة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store