Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

(مشَّاءٍ بنميم)

سديم

A A
* ما بين الفينة والأخرى، يحسن بالكاتب أن يميل بقلمه، وينحو بآرائه إلى شأن من شؤون المجتمع، خاصة فيما يعرفه صدق المعرفة، ويقاربه حق المقربة، ويعايشه صدقًا وحقًّا في كثير من الأحوال بدأه مآلاته.

* فإذا كان عنوان المقال أعلاه جزءًا أصيلًا من آية قرآنية عظيمة؛ فإنّه في المقابل = (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب)، يعبّر عن ظاهرة أصيلة تتصل بشأن من شؤون الناس في بعض أحوالهم ومعيشتهم واجتماعهم، جرّاء ما يلحق بهم من (أذيّة) ظاهرة ومستترة، فما كان لـ(المشّاء بنميم) أن يكون له كينونته ما لم يكن هناك تربة صالحة للإنبات، وآذان صاغية للمداولة، ومرتع خصب يعضد من حضوره ووجود= وجود باللّزوم، وحضور بالتّمكين.

* فالمشّاء بنميم، قد جمع ما بين شرّين محضين؛ شر (مطبق)، وشر (مانع)، وكلاهما -في الحالين- ضرٌّ وضِرار. وهذان الشرّان لا ينطلقان إلّا من نفس قد تلبّست رداء (الخبث)، وتلحّفت أثواب (النفاق)، فاستحالت بهما، ومن خلالهما سورة من الحقد، والضغينة، ودفائن الإحن.

* في عالم الناس اليوم اتّسعت مساحة الـ(مشّاء بنميم)، فمن المجالس الخاصة، إلى المجالس العامة، إلى مكاتب الموظفين، إلى مواقع التواصل الاجتماعي وأدواتها، حتى باتت أكثرها مرتعًا خصبًا له، وبساطًا عريضًا للقِيل والقال، وتعاظم البهتان.

* تجلس في مكان ما، فيصيب أحدهم بقول الفحش في رئيسه ومرؤوسه. وتجتمع في مجلس ما، فيرمي أحدهم بالكلام على مَن لا يفصل بينه وبين مَن يرميه إلّا ذلك الجدار بطول الأصبع الواحدة. وتحضر مناسبة ما، فيقذف أحدهم حمم لسانه على من قرّبه وقدّم له الود، وصدق المحبة، وواجب الأخوة. وتمكث في مقام ما، فيطلق أحدهم سوط حنكه على صديق له، أو زميل لازمه بالمعروف والمساعدة.

* فأيّ جناية هذه..؟! حتى غدت تسري ما بين العقول والقلوب، وتجري ما بين العظام والأمخاخ كخبائث الشيطان الرجيم في دم الإنسان حينما تستولي عليه دسائسه ومكائده، والضحايا غائبون!!، وإذا ما قابل أحدهم ضحيته، كان الوجه غير الوجه، والقول غير القول، فصدق عليه قول الشاعر:

تُدلي بودٍّ إذا لاقيتَني كذبًا

وإنْ أغبْ فأنت الهامزُ اللَّمزة

* كثيرًا -إن لم يكن دائمًا- فإنّ (المشّاء بنميم) خالٍ من صادق الأمانة والمروءة، وخاوٍ من نزاهة الضمير وصحة المعرفة، فما من دارس للنفس البشرية إلَّا ويعرف أنّ النمّام ساعٍ إلى إثارة الفتنة، وشبهات الأغراض والأهواء، ونوازع الرغبة والرهبة، وأعراض التقلّب والضعف؛ نتيجة عوامل نفسية، واجتماعية، وتربوية.

* كلنا يدرك ما للمشّاء بنميم من الأخطار الماحقة، وهذه الأخطار يستوي فيها الفرد الواحد، والجماعة الواحدة، وما تسرّب (المشّاء) ما بين أوردة المجتمع؛ إلّا أوردها سوء المهالك، وأصابها برداءة العاقبة.

* فاصلة:

يقول سعيد بن أبي عروة: «لأن يكون لي نصف وجهٍ، ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجز المخبر، أحبُّ إليَّ من أن أكون ذا وجهين وذا لسانيين وذا قولين مختلفين».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store