Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

إسرائيل فوق القوانين الدولية!

A A
هناك معاهداتٌ دوليَّة تضم أكثر القواعد أهميَّة؛ للحدِّ من همجيَّة الحروب، وتُوفِّر تلك المعاهدات والاتفاقيَّات الحماية للأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائيَّة (المدنيُّون، وعمَّال الصحَّة والإغاثة)، والذين توقَّفوا عن المشاركة في الحروب (الجرحى، والمرضى، وجنود السُّفن الغارقة، وأسرى الحرب). وقد اعتُمِدَت النسخة المنقَّحة الرابعة لاتفاقيَّة جنيف بشأن الجرحى والمرضى، وتعقب الاتفاقيَّات التي تم اعتمادها في 1864، و1906، و1929، وتضم 64 مادةً؛ ولا تقتصر هذه الاتفاقيَّات على حماية الجرحى، والمرضى، بل تشمل أيضًا موظَّفي الصحَّة، والوحدات الدينيَّة والطبيَّة، ووسائل النقل الطبي. كما تعترف الاتفاقيَّة بالشَّارات المميَّزة، وتضم ملحقين اثنين يشملان مشروع اتفاق بشأن مناطق المستشفيات، وبطاقة نموذجيَّة لموظَّفي الصحَّة والدِّين. وانصبَّت اتفاقيَّات جنيف التي اعتمدت قبل 1949 على المحاربين فقط، دون المدنيِّين. وقد أظهرت أحداثُ الحرب العالميَّة الثانية العواقب الوخيمة التي نتجت عن غياب اتفاقيَّة لحماية المدنيِّين في زمن الحرب. وعليه، أخذت الاتفاقيَّة المعتمدة في عام 1949 في اعتبارها تجارب الحرب العالميَّة الثانية. وتضم الاتفاقيَّة 159 مادةً، ضمنها مادة قصيرة تُعنى بحماية المدنيِّين عمومًا من عواقب الحرب، لكنَّها لم تتصدَّ لمسألة الأعمال العدائيَّة في حدِّ ذاتها، إلى أنْ تم مراجعتها في البروتوكولين الإضافيَّين لعام 1977.

كما تدعو الاتفاقيَّات وبروتوكولاتها إلى الإجراءات التي يتعيَّن اتخاذها منعًا لحدوث كافَّة الانتهاكات، أو وضع حدٍّ لها، وتشمل قواعد صارمة للتصدِّي لما يُعرف بـ»الانتهاكات الخطيرة»؛ إذ يتعيَّن البحث عن الأشخاص المسؤولين عن «الانتهاكات الخطيرة»، وتقديمهم إلى العدالة، أو تسليمهم.

وتقع اتفاقيَّات جنيف وبروتوكولاتها الإضافيَّة في صلب القانون الدوليِّ الإنسانيِّ، وهي عصب القانون الدوليِّ الذي ينظِّم السلوك أثناء النِّزاعات المسلَّحة، ويسعى إلى الحدِّ من تأثيراتها. وقد دخلت اتفاقيَّات جنيف حيِّز التنفيذ في 21 أكتوبر 1950، ووصل عدد الدول الأعضاء منذ عام 2000، إلى 194، لتكون بذلك اتفاقيات جنيف أكثر الاتفاقيات الواجبة التطبيق في العالم.

ويعتمد القانون الدوليُّ الإنسانيُّ على مبدأ أساس في الحروب وهو أنَّ «صوابيَّة النزاع أو عدمها لا تنزع وجوبيَّة الالتزام بمبادئ ونصوص القوانين مرعيَّة الإجراء». والمواد 47 - 78 من اتفاقيَّات جنيف الرابعة تفرض التزامات كبيرة على قوى الاحتلال، منها عدم الترحيل القسريِّ للأشخاص المحميِّين، أو ترحيل، أو نقل جزء من سكانهم المدنيِّين إلى داخل الأراضي المحتلة.

والسؤال: ما قيمة هذه الاتفاقيَّات إنْ لم يكن الالتزام بها على الدُّول كافَّة -على حدٍّ سواء- ولا تُستثنى منها دولٌ بعينها؟، فها هي إسرائيل في حربها على غزَّة 2023 قد ضربت باتفاقيَّات جنيف وبروتوكولاتها الإضافيَّة، وبجميع القوانين الدوليَّة عرض الحائط، من خلال تهجيرها القسري للغزَّوايِّين، مع استمرار قصفها المتعمد للمدنيِّين، وقتلها للأطباء والممرِّضين والمُسعفين من الهلال الأحمر، والصليب الأحمر، والدفاع المدني، وموظَّفي المنظَّمات الدوليَّة والأمميَّة (الأونروا) والصحفيِّين.

وقد أعلن الجيش الإسرائيليُّ أنَّه أطلق في 6 أيام 6000 قنبلة، وأسقط ما يعادل قنبلتين نوويَّتين على قطاع غزَّة، إضافة إلى استخدامها قنابل محرَّمة دوليًّا، وقالت واشنطن يوست: «إنَّ إسرائيل أطلقت في شهرين 29 ألف صاروخ أرض جو»، وقالت صحيفة جارديان: «إنَّ حرب غزَّة خلَّفت ضحايا مدنيِّين أكثر من جميع صراعات القرن العشرين»، وقد ارتفع عدد الشهداء جرَّاء العدوان الإسرائيليِّ المتواصل على قطاع غزَّة لليوم الـ91 إلى أكثر من 22430 شهيدًا، بينهم 9730 طفلًا و6830 سيدةً، بالإضافة إلى 7000 مفقودٍ، وأكثر من 57600 جريحٍ.

والأسئلة التي تطرح نفسها، هي: لماذا كل هذا الحجم من المتفجرات على مساحة لا تتجاوز الـ365 كيلومتراً مربعاً يقطنها مليونان ومئتا ألفٍ من البشر، حوالى 70% منهم نساء وأطفال؟ لماذا هذا العقاب الجماعي الذي فرضته إسرائيل بفرضها حصاراً شاملاً على سكان غزة، ومنع الطعام والماء والدواء والوقود والطاقة والغاز عنهم، مع عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إليهم، بلا مساءلة ولا عقوبات، وهي تخالف القوانين الدولية مخالفة صريحة؟ لماذا تفرض على الغزَّاويِّين النُّزوح القسريَّ من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الجنوب، مع قصفها للنَّازحين وهم في طريقهم إلى الجنوب، بلا مساءلة ولا عقوبات، وهي تخالف القوانين الدوليَّة وترتكب جرائم حرب؟ ولماذا هذا الصمتُ الدوليُّ عن كلِّ جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، واختراقاتها للقانون الدوليِّ واتفاقيَّة جنيف وبروتوكولاتها الإضافيَّة، ولم يُصدر مجلسُ الأمن قرارًا لوقفِ إطلاقِ النَّار، ولم تُفرض أيَّة عقوبة على إسرائيل، ولم يُستَدعَ مجلس الحرب الإسرائيلي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة؟.

الجواب واضح، وهو أنَّ هناك مخططًا وضعته إسرائيل، برعاية أمريكيَّة أوروبيَّة؛ لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة، بتهجيرهم قسرًا إلى أوطان بديلة في سيناء والأردن، وقد تمَّ إعلان هذا المخطَّط أعقاب عمليَّة طوفان الأقصى.

وأخيرًا، ستمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدوليَّة؛ للردِّ على دعوى قدَّمتها جنوب إفريقيا لمقاضاتها بتُهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعيَّة في قطاع غزَّة، وآمل أنْ تكون محكمة العدل عادلةً فتُنصف الغزَّاويِّين في حكمها على إسرائيل دون انحياز، أمام شهادة العالم أجمع على جرائمها التي شاهدها مباشرةً على الهواء -صوتًا وصورةً- وقت ارتكابها لها!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store