Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

سمك الجمعة!!

A A
أعتقدُ.. أنَّه قلَّت عن السَّابق ظاهرةُ تناول العائلات السعوديَّة للسَّمكِ في غذاءِ يوم الجُمعة، حتَّى في مدننا السَّاحليَّة الواقعة على البحر الأحمر غربًا، والخليج العربيِّ شرقًا.

كانَ الزَّمنُ الماضي جميلًا بحقٍّ وحقيقٍ، وكانت العائلاتُ السعوديَّة نشيطةً وحريصةً على استمراريَّةِ تناول سمك يوم الجمعة، وليس ذلك فقط، بل تطبخه بنفسِهَا داخل البيوتاتِ مقليًّا ومشوِّيًا، وفي الفرن مع الحُمر أو الطَّحينة، وليس مثل الآن، حيث تشمئزُّ جُلُّ العائلاتِ وتقرفُ من رائحتِهِ نيئًا، فتُحضرُهُ مطبوخًا وجاهزًا من المطاعم الخارجيَّة، التي تطغَى سلبيَّاتُها على إيجابيَّاتِها طغيانًا كبيرًا!.

ذات مرَّةٍ وفي يوم جُمعة، أكلتُ سمكًا مقليًّا في مطعم بجدَّة، ومع أوَّل مُضغةٍ أحسستُ بطعمٍ مريرٍ وغريبٍ، فتوقَّفْتُ عن الأكلِ، واستحلفْتُ الطَّاهي الآسيوي عن ذلك، فأقرَّ بعدَ أنْ رأى الشَّررَ يتطايرُ من عينيَّ، أنَّ زيتَ القلي المُستخدم بائتٌ من الأمس، ووعدنِي باستبداله، وقلي سمكةٍ أُخْرى جديدةٍ على حسابِهِ، فترحَّمْتُ على أمِّي التي كانت تقلي السَّمكَ بنفسِهَا في فناء بيتنا في مدينة الطَّائف، باستخدام زيتٍ جديدٍ ممزوجٍ ببهاراتٍ عطرةٍ وزكيَّةٍ، فنأكلُ سمكًا مُقرمشًا، ولا ألذ ولا أروع.

والسَّمكُ في الماضي -ورغم نُدرتِهِ- كان رخيصًا، أمَّا الآن -ورغم كثرتِهِ، سواء كان وطنيًّا أو مُستوردًا- فهو قد ضربَ الرقمَ القياسيَّ في ارتفاعِ الأسعارِ، ولعلَّ هذا هو السَّبب الرَّئيس في قلَّة تناول العائلات له يوم الجمعة، وتستبدل به الدَّجاج في الغالب، أو اللَّحم.

وكالعادة يحتكر الأجانب تجارته، بينما يلعب المواطنون دور المستهلك، فمتى يقتحم مواطنونا أسواق الأسماك، ويتعاملون معها كمصدر عمل شريف وربح كبير، ولدينا شواطئ بآلاف الكيلومترات تطل على بحار مليئة بثروة هائلة من الأسماك والمخلوقات البحرية التي تؤكل، وليتنا نوطن المهن التي تتعلق بالأسماك، صيداً وتجارة وطبخاً، فهذه المهن مثل لؤلؤ البحار، وأنْ نهدي أبناءَنَا سمكًا في يوم الجمعة، فهذا معناه أنَّنا وفَّرْنا لهم أكْلَ يومٍ، لكنْ أنْ نُعلِّمهم مهنةَ صيدِهِ وتجارتِهِ وطبخِهِ فهذا أفضلُ؛ لأنَّنا علَّمناهُم بها صنعةً تدومُ لهم طيلةَ الحياةِ!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store