Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

الزواج بين الشرع والهياط!!

A A
الزَّواج شرعه اللهُ تعالى حين خلقَ البشرَ؛ لتستمرَّ الحياةُ، وتعمرَ الأرضُ، وتستمرَّ العبادةُ له سبحانه وتعالى، وجعل من هذا الزَّواج مودَّةً ورحمةً بين الزَّوجين، وجعل التَّزاوج بين بقيَّة المخلوقات أيضًا كسُّنَّةٍ من سننِ الكونِ؛ كي يتمَّ التَّكاملُ في تعاطي المسيرةِ الحياتيَّةِ بتبادلِ المنافعِ.

يقولُ الله -سبحانه وتعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، ولتيسيرِ مطالبِ هذا الزَّواج، فقد يسَّر شروطَهُ بالقبولِ أو الرَّفضِ بين الطَّرفين، وتقديم ما تيسَّر من الصداقِ والأجرِ بينهمَا.

لكنَّ اللَّافت للانتباهِ أنَّ هذَا التَّسهيل والتَّيسير الرَّبانيِّ لهذا التَّشريع يُقابلُ أحيانًا بالتَّعسير والمبالغةِ والهياطِ من قِبل بعضِ البشرِ، وهذا -للأسف- ما نشاهدُه في مجتمعِنَا السعوديِّ، حيث تحوَّل إلى قضيَّةٍ تواجه الرَّاغبين في الزَّواج؛ نظرًا للمبالغاتِ في التَّكاليف ذات العلاقة به، عكس ما أمرَ اللهُ به.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن مبالغ الصداق أصبحت باهظة، تجعل الراغب في الزواج يضطر إلى الاستدانة من البنوك؛ لسد تلك التكاليف، وفي الجانب الآخر نجد التكاليف الباهظة في ايجار الشقق وتأثيثها، بالإضافة إلى ارتفاع تغطية المناسبات الاجتماعية المختلفة. فاحتفالية الزواج التي جعلها الشرع لإشهاره تحولت إلى عمليات الهياط والمنافسات بين العائلات إلى مناسبتين أو أكثر، فحفلُ عقدِ القِران أصبحَ كحفلِ الزَّواج الرسميِّ في تكاليفه، وما يتبعُ ذلك من تكاليفَ أُخْرَى تلحقُ بالمدعوِّين وخاصَّةً النِّساء، حيث يتطلَّب ذلك الكثير من المبالغاتِ في المَلْبس وتوابعِهِ التي تتكرَّر في حفلِ الزَّواج الرسميِّ، الذي أصبح مكلِّفًا جدًّا للعريسِ وأسرتِهِ، وحتَّى للمدعوِّين، من إعدادٍ وتجهيزٍ وطَعامٍ، وهذا كلُّه يتحوَّل مستقبلًا إلى أعباءَ وديونٍ متراكمةٍ قد تستمرُّ لسنواتٍ مقبلةٍ، وقد تكونُ سببًا في التَّسريع بعملياتِ الطَّلاق التي تتزايدُ عامًا بعد آخرَ، حتَّى أصبحت -حسب الإحصاءاتِ الرسميَّة- تفوقُ 45٪.

وانطلاقًا من كلِّ ذلك أتمنَّى أنْ تتدخَّل الجهاتُ الرسميَّةُ في الدَّولة لحلِّ هذه القضيَّة المتناميةِ، وأنْ تفرضَ شروطًا يستوجب الالتزامُ بها؛ كي تحدَّ من نواتجِ ذلك التَّنامي غيرِ الإيجابيِّ، كأنّْ تضعَ شروطًا بمنعِ حفلِ مناسباتِ عقدِ القِرانِ، والاكتفاءِ بالحفلِ الرسميِّ، وأنْ تضعَ شروطًا يستوجب الالتزامُ بها؛ للتَّخفيفِ مِن هدرِ تلك الأموالِ في أمورٍ يجني نواتجهَا الزَّوجانِ مستقبلًا. وكمْ أتمنَّى أنْ تقتصرَ على أهلِ العروسَينِ وأقاربهمَا فقطْ، وأنْ تُخفَّف الوجباتُ المقدَّمة في تلك المناسبةِ، فتكون مثلًا على هيئةِ وجباتٍ مجهَّزةٍ ميسَّرةٍ مُسبقًا، تُقدَّم لكلِّ فردٍ على حِدَةٍ يتمُّ تجهيزُهُ في المطعمِ المختارِ، ويُكتفَى بصداقٍ ميسَّرٍ، وتخفيف الشُّروطِ، فهذا مَا أمرَ اللهُ به؛ لتيسيرِ تشريعِ الزَّواج، وحتمًا ستكونُ النتيجةُ بناءَ أُسرةٍ مستقرَّةٍ تغشاهَا المحبَّةُ والمودَّةُ.. واللهُ من وراءِ القصدِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store