Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي خضران القرني

من أصداء الماضي

A A
كانت العربُ في ماضيها الجميل، إذا شجرَ بين بعضها خصوماتٌ أو خلافاتٌ، يحتكمُون إلى مَن عُرفوا بسدادِ الرَّأي والحكمةِ، ومشاورتهم فيما قدْ يواجهُونَه من صروفِ الدَّهرِ ونوائبِهِ، للإفادةِ ممَّا يُسدَى إليهم من نُصحٍ ومشورةٍ وتوجيهٍ، يساعدهم على تخطِّي وحلِّ تلك المواقفِ الحياتيَّة، ويعودُونَ وقد وجدُوا ما أنارَ لهم سُبلَ الرَّشادِ، وحلَّ ما كانَ يدورُ بينهم من خلافاتٍ كادتْ تعكِّر صفوَ حياتِهِم، وتؤدِّي بهم إلى مَا لا يُحمد عقبَاهُ، وتُحوِّل ذلك من أجواءٍ قاتمةٍ إلى سلامٍ ووئامٍ ومودَّةٍ وإخاءٍ.

وظلَّت هذه الميزةُ سجيَّةً لهم في أخلاقِهم وتعاملِهم مع بعضِهم بعضًا، وعادةً مستديمةً يداومُ عليها ناسُ تلك الحقبِ من زمن الماضي الجميل، النَّابض بالمودَّةِ والشِّيمِ والمروءاتِ، إلَّا أنَّ تلك المزايَا قد تلاشتْ في العصورِ الأخيرةِ، واستشرَى التَّقاطعُ والفرقةُ وخاصَّةً بينَ بعض الأقاربِ، بعد أنْ كانت تلكَ النَّصائحُ والحكمُ سائدةً بينهم، واليوم يكادُ يختفي مدلولها، وهو أمرٌ يُؤسفُ له، ولا يتَّفق وما وجَّه به دستورُنَا (القرآنُ الكريمُ) وحثَّنَا عليهِ نبيُّنَا محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من التَّآخِي، والتّوادُّدِ، والتَّقاربِ، والتَّسامحِ، وصِلَةِ الأرحامِ والقرابةِ، وما في حُكم ذلك.

* خاتمة: وممَّا يُناسب كخاتمةٍ لهذا الموضوعِ ما رواهُ لي أحدُ الأحبَّة ممَّن لا تُملُّ رواياتُهم المعبِّرة وأحاديثُهم الشيِّقة (أنَّ شخصًا حدثَ بينه وبين شقيقهِ الأصغرِ خلافٌ، أدَّى إلى القطيعةِ، ورغم المحاولة في التَّوفيق بينهما، ولكن دون جدوى؛ ممَّا اضُّطر الأخُ الأصغرُ أنْ ينقلَ عملَهُ وإقامتَهُ وأسرتَهُ إلى مدينةٍ أُخْرى، ومرَّت الأيَّامُ، وبعد تردُّدِ أختهمَا الكبيرةُ التي تعتبرُ بمثابةِ والدتهمَا بعد وفاةِ والديهم بالصُّلحِ بينهما، وافق الأخُ الصغيرُ على الصلحِ، إلَّا أنَّ الأخَ الأكبرَ أصرَّ على القطيعةِ، وقدَّر اللهُ أنْ يُصابَ الأخُ الأصغرُ بمرضٍ أقعدهُ على الفِراش، شعرَ من خلالِهِ بدنوِّ أجلِهِ، فوسَّط إمامَ الحيِّ بالسَّفر لأخيهِ، ونصحه بالصُّلح بينهما لإحساسهِ بدنوِّ أجلهِ، ويطلب منه المسامحةَ، وفعلًا سافر إليه، وعرض عليه الصلحَ لمَا في ذلكَ من أجرٍ عظيمٍ، فالدُّنيا فانيةٌ، وكلُّ مَا عَليهَا إلى زَوالٍ، والبقاءُ لخالقِ الأرضِ ومَن عليها، ونصحَهُ بزيارةِ أخيه، والتَّسامح منه، فربَّما عاجلهُ الأجلُ، وكأنَّ ضميره أنَّبه وأحسَّ بذنبِ القطيعةِ، وسافر على الفورِ هو وكامل أُسرتِهِ إلى أخيه، حيث يقيم، ودخل عليه باكيًا منكسرًا بين يديه، طالبًا السَّماح واعترافه بأنَّه سببُ القطيعةِ، والخطأ، وقبَّل كلٌّ منهما الآخرَ، وما هي إلَّا سويعاتٌ ويُفارقُ الحياةَ بعدَ أنَّ منَّ اللهُ عليهما بالتَّسامح في الحياةِ، وقبل المماتِ).

* نبضٌ: (صِلةُ الأرحامِ، تزيدُ في الأعمارِ، وتُرضِي رب العبادِ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store