Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

الاقتصاد وعبقرية المكان

A A
في هذا المقالِ سنتحدَّث عن تجربةِ هونج كونج الاقتصاديَّة التي تُعدُّ قصَّة نجاح استثنائيَّة، بمعنى الكلمةِ، قادرة على إلهام العالم أجمع تحقيق المزيد من التقدُّم، حيث استطاعتْ هذه الجزيرة الصَّغيرة التي لا تزيدُ مساحتها عن 1,104كم2، التحوُّل من قريةٍ صغيرةٍ فقيرةٍ تعتمدُ على صيدِ الأسماك، إلى أحدِ أكبر المراكزِ الماليَّة العالميَّة خلال سنواتٍ قليلةٍ.

اقتصادُ هونغ كونغ قائمٌ على السُّوق الحُرِّ، وقائمٌ على الخدمات، ويتميَّز بالضَّرائب المنخفضة، والتِّجارة الحُرَّة، والدُّولار الهونج كونجيِّ (ثامن أعلى عملةِ تداولٍ في العالم، ويرتبط بالدُّولار الأمريكيِّ منذ عام 1983م)، وتُعتبر من أكثر الاقتصاداتِ حريَّة في العالم بأسرِهِ، وفقًا لمؤشِّر الحريَّة الاقتصاديَّة، وتضمُّ أحدَ أعلى كثافاتِ مقارِّ الشَّركات التَّجاريَّة في آسيا، والمحيط الهادئ، وتُعرف بأنَّها أسهلُ مكانٍ في العالم، لتأسيس رأسمال، وتشتهرُ بكونها واحدةً من النِّمور الآسيويَّة الأربعة؛ لتطوُّرها ونموِّها السَّريع منذ ستينيَّات، وحتى تسعينيَّات القرن العشرين، حيث تضاعفَ اقتصادُ هونغ كونغ المحلي الإجمالي منذ عام 1961 إلى 1997م 180 ضعفًا، فيما ازداد النَّاتجُ المحليُّ للفرد بـ87 ضعفًا، ويبلغ النَّاتج المحليُّ الآن 360 مليارَ دولارٍ لعدد سكَّان لا يزيد 7.3 ملايين نسمةٍ، وهذا انعكسَ بدورِهِ على مستوى معيشةِ الأفرادِ، حيث ارتفعَ متوسِّط دخل الفرد من 500 دولار سنويًّا، إلى 86 ألفَ دولارٍ في 2023، وفقًا للبنكِ الدوليِّ.

تعد بورصة هونج كونج (HKEX)، واحدة من أكبر البورصات في العالم، ومثلت 22% من رأسمال إطلاق سوق الأوراق المالية (IPO) العالمي في عام 2009؛ لتكون الأولى بهذا الترتيب، ووصل حجم القيمة السوقية لبورصة هونج كونج لأكثر من 4.2 تريليونات دولار اعتبارًا من أغسطس 2023، وفقًا لفيجوال كابيتاليست، أمَّا عن ميناء هونج كونج، فهو أحد أكثر موانئ الحاوياتِ الدوليَّة ازدحامًا وكفاءةً في العالم، ويُعتبر ميناءً رئيسًا في سلسلةِ التَّوريد العالميَّة، الأمرُ لمْ ينتهِ عندَ هذا الحدِّ، بل تحتلُّ مرتبةً متقدِّمةً في ترتيب نسبة العائلات المليونيريَّة من السكَّان؛ لتأتي بعد سويسرا، وقطر، وسنغافورة، حيث تمتلكُ 8.5% من كافَّة الأُسر الهونج كونجيَّة بما لا يقلُّ عن مليونِ دولارٍ أمريكيٍّ، كما تحتلُّ المرتبةَ الثَّانية في مؤشِّر سهولةِ افتتاحِ الأعمال التجاريَّة، بعد سنغافورة مباشرةً.

ليس هذا فقط، بل استطاعتْ هونج كونج الفقيرةُ، التي لا تمتلكُ مواردَ طبيعيَّةً، أو أيَّ ثروةٍ تقريبًا، وتستوردُ معظمَ الطَّعام والموادَّ الخام، حيث يبلغُ مقدارَ الوارداتِ في هونج كونج أكثر من 90% من الأطعمةِ، والقطاع الزِّراعي في المدينة محدودٌ جدًّا، فيساهمُ بنسبة 0.1% فحسب من النَّاتج المحليِّ الإجماليِّ، ورغم ذلك استطاعت أنْ تُحوِّلَ هذا العجزَ في المواردِ إلى وفرةٍ بصورةٍ غير عاديَّةٍ، من خلالِ استخدامِ موقعها الإستراتيجيِّ أيضًا بالشَّكل الأمثلِ، فتحوَّلت لمركزٍ ماليٍّ عالميٍّ من خلالِ بعض السِّياسات الهامَّة، مثل تخفيض الضَّرائب، ووضع سياسة اقتصاديَّة حُرَّة قائمة على السُّوق المفتوحة، وأصبحت تحتلُّ المرتبةَ الحادية عشرة عالميًّا في التِّجارة، وتحوَّلت لأحد أكبر مراكز إعادةِ التَّصدير على مستوى العالم، من خلال إعادة تصديرِ الكثيرِ من البضائعِ التي تستوردها من الدُّول الأُخْرى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store