Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

كما ترى الحياة.. تكون!

A A
هل صحيحٌ أنَّ المعانِي المطلقةَ، كالعدالةِ، والحبِّ، والحريَّةِ أوهامٌ يخلقهَا الإنسانُ طالمَا أنَّ الإنسانَ يحكمُهُ الموتُ حتمًا، وبذلكَ لا معنَى لسببٍ عميقٍ للعيشِ، ولا جدوَى للعذابِ والألمِ؟.

أو أنَّ عدمَ فَهْمِ الإنسانِ للحياةِ وثقلِهَا، والعادةِ التي يفرضهَا الوجودُ عليهِ، يؤدِّي بذلكَ الإنسانُ المدركُ لذاتِهِ إلى شعورِهِ بأنَّ تلكَ الحياةَ لا تستحقُّ العناءَ، إلَّا أنَّه يستمرُّ في أداءِ الحركةِ التي يفرضهَا عليهِ الوجودُ.

كثيرٌ من النَّاسِ -للأسفِ- يشعرُ أحيانًا بهذَا الإحساسِ العبثيِّ، عندمَا لا يجدُ لهُ هدفًا، أو أنَّه يبحثُ عن هدفٍ ولا يتمكَّنُ من تطويعِ مقدرتِهِ على الوصولِ لهذَا الهدفِ، أو تحقيقِ شيءٍ من آمالِهِ وطموحاتِهِ وأحلامِهِ، «فيكفرُ» بكلِّ المعانِي السَّاميةِ التي تُعطِي للحياةِ نكهتَهَا المميَّزةَ لكلِّ إنسانٍ على حِدَةٍ، رغمَ حتميَّةِ موتِهِ، إلَّا أنَّ العدالةَ والحبَّ والحريَّةَ ترسِّخُ مفهومَ الديمومَةِ، مع القناعةِ بأنَّه لا دائمَ إلَّا اللهُ -سبحانَهُ وتعَالَى-.

فكرةُ السَّعادةِ في القناعةِ أيضًا، معنى وجوديٌّ مهمٌّ، ربَّما لمْ يعدْ مقنعًا في عصرٍ أصبحَ فيهِ الإنسانُ راكضًا ومبهورًا بامتلاكِ كلِّ شيءٍ، وعندمَا يحصلُ عليهِ يعودُ مرَّةً أُخْرَى للرَّكضِ خلفَ امتلاكِ شيءٍ آخرَ، ويكتشفُ خلالَ هذَا الرَّكضِ والانبهارِ ومشاعرِ السَّعادةِ المؤقَّتةِ والرَّغبةِ المتأجِّجةِ أنَّه ليسَ سعيدًا، وأنَّ بينَ يديهِ قبضَ الرِّيحِ، مع أنَّ بإمكانِهِ أنْ يقنعَ بمَا بينَ يديهِ ليفتحَ بابًا للسَّعادةِ تدخلُ منهُ، ثمَّ يكتشفُ أنَّ البابَ اتَّسعَ لمعانٍ أُخْرَى، يدعمُ بعضُهَا بعضًا في تناغمٍ وانسجامٍ.

للحياة أكثر من زاوية، يمكن لكل إنسان أنْ يختار زاويته التي تناسب قدراته وإمكانياته، ثم لا يمل أو يكل من التطلع إلى الانتقال إلى زاوية أخرى أكثر اتساعاً وإشراقاً، لكنْ بالعمل والأمل لا بالأوهام والانفصال عن واقعه والعيش في الأحلام دون مجهود، ودون تحلٍّ بالمعاني الإنسانية السامية، ينبوع السعادة الخالد، رغم رحلة الحياة القصيرة وحتمية الفناء.

كما تُمتَحنُ في هذِهِ الحياةِ بالمرضِ، أو ضيقِ العيشِ، أو العراقيلِ، أو بعضِ الأمورِ التي تكدِّرُ الحياةَ، وتعيقُ تدفُّقهَا في يسرٍ وسهولةٍ، تمنحُ الحياةَ أيضًا اليُسرَ وسعةَ العيشِ والأمورَ التي تُدخلُ السرورَ والفرحَ للجميعِ، لكنْ بمواقيتَ مختلفةٍ، وفي أمورٍ تختلفُ بينَ النَّاسِ كاختلافِ البشرِ، تلكَ سُنَّةُ الحياةِ، الاختلافُ بينَ البشرِ، حتَّى الأخوة كمَا قِيل: «أَخوَانِ ولهُمَا طَبْعَانِ»، أو كمَا قالُوا: «أصابعُ اليدِ الواحدةِ مختلفةٌ»، هكذَا هي الحياةُ، تتدفَّقُ أحيانًا أو كثيرًا عذبًا فراتًا سلسبيلًا، أو أنَّها توقفُ تدفُّقهَا فجأةً، كمَا يعترضُ تدفُّق مياهِ النهرِ صخرةٌ، لكنَّ الحياةَ لا تتوقَّفُ، بل تجدُ لهَا منعطفًا تستعيدُ من خلالِهِ تدفُّقهَا، كمَا تستعيدُ مياهُ النهرِ التدفُّقَ والجريان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store