Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
علي خضران القرني

من حكايات الماضي

A A
أمضيتُ -وبعضُ زملائِي- مهمَّةً تعليميَّةً فيمَا مضَى في دولةٍ عربيَّةٍ شقيقةٍ، تخلَّلها شهرُ رمضانَ المباركُ، وكانَ يقومُ بتنقلاتِنَا وتأمينِ احتياجاتِنَا الخاصَّةِ بسيَّارتهِ؛ شخصٌ من أهالِي إحدَى القُرَى المجاورةِ للمدينةِ التي نعملُ فيهَا، بطريقةِ التعاقدِ الشهريِّ.

وفي آخرِ أحدِ أيامِ الأسبوعِ، دعانَا لزيارةِ قريتِهِ التي تبعدُ عن مقرِّ عملِنَا بـ(60) كم تقريبًا، وقد تردَّدنَا في تلبيةِ دعوتهِ خشيةً من التكلفةِ، وبعدَ إلحاحهِ وإصرارِهِ لبَّينَا الدعوةَ، وصحبنَاهُ إلى قريتهِ الواقعةِ بينَ العديدِ من الأشجارِ المتنوِّعةِ، يتوسَّطها (مسجدٌ)، وكانَ عددنَا ثلاثةً كنَّا نرتدِي الزيَّ السعوديَّ. وأمامَ أحدِ منازلِ الحيِّ، قابلَنَا رجلٌ ستينيٌّ ومعهُ مجموعةٌ من الفتيانِ من مختلفِ الأعمارِ، مرحِّبًا بنَا، وقبلَ أذانِ المغربِ انتقلنَا للمسجدِ، ثمَّ تناولنَا طعامَ الإفطارِ المبدئِي مع مجموعةٍ من المصلِّين، والمكوَّنِ من التمرِ والماءِ والعصيراتِ والفواكهِ البلديَّةِ، وبعد الصَّلاةِ، عُدنَا لمنزلِ داعينَا، وقدَّم لنَا العشاءَ، سفرةً تحتوِي على ما لذَّ وطابَ من أنواعِ المأكولاتِ!، وقالَ لنَا: الشَّخصُ الذِي قابلكُم هو شقيقِي الأكبرُ، وأسكنُ أنَا وهُو وكاملُ أسرتنَا في منزلٍ واحدٍ، ووالدانَا انتقلَا إلى رحمةِ اللهِ من زمنٍ طويلٍ، شقيقِي يقومُ بخدمةِ الضيعةِ، واستصلاحِ الأرضِ، وتربيةِ الماشيةِ، وأنَا أعملُ سائقَ أجرةٍ.

وبمَا أنَّكُم من سكَّانِ المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ التِي تحتضنُ أقدسَ الأماكنِ مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة؛ منطلقَ الرسالةِ المحمديَّةِ إلى أقاصِي العالمِ بالنورِ والهدايةِ، وبمَا أنَّنا في شهرِ رمضانَ المباركِ، الشهرِ الذِي أوَّلهُ رحمةٌ، وأوسطهُ مغفرةٌ، وآخرهُ عتقٌ من النارِ، نطلبُ منكُم المساهمةَ معنَا في حلِّ قضيةٍ اجتماعيَّةٍ حاولنَا حلَّهَا ولم نُوفَّق. ثمَّ لخَّصَ لنَا أخوهُ الأكبرُ القضيةَ فيمَا يلِي: (أخِي الأصغر «سائقكُم» متزوجٌ بإحدَى بناتِ القريةِ وله ذريَّةٌ منهَا، ولهَا أختٌ أُخْرى متزوجةٌ بأحدِ جماعةِ القريةِ، ومنذُ سبعِ سنواتٍ حصلَ بينَ العديلَين ملاسنةٌ، خاليةٌ من مدِّ الأيدِي أو السِّلاحِ، وأعلنَ عديلهُ أمامَ الجماعةِ مقاطعةَ أخِي وزوجتِه وعيالِه، وقدْ حاولنَا ووسَّطنَا كبارَ الجماعةِ للصلحِ بينهمَا، ولكنْ لم نُوفَّقْ، ولأنَّنَا في شهرٍ كريمٍ، وقطيعةُ الرَّحمِ إثمُها كبيرٌ، نأملُ منكم زيارتكُم لعديلهِ، ومحاولة الصلحِ بينهمَا وأجركُم على اللهِ)!.

* خاتمة:

فقلنَا لهمَا أبشرَا، هذَا فعلُ خيرٍ، والسَّاعِي في الخيرِ كفاعلِهِ، وذهبنَا معَ شيخِ القريةِ والأخوَين، إلى عديلهِ بدارهِ، وكانَ لديهِ علمٌ بالزيارةِ، فاستقبلنَا مرحِّبًا، وحسبَ العُرفِ القبليِّ قدَّم لنَا الشَّاي والقهوةَ، وبعدهَا قدَّم لنَا العشاءَ، مأدبةً حاتميَّةً يعجزُ القلمُ عن وصفِها، وبعدَ الانتهاءِ من العشاءِ أوضحَ شيخُ القريةِ سببَ زيارتنَا لهُ، ووافقَ على الصلحِ تقديرًا لنا، شريطةَ أنْ يعترفَ عديلهُ بخطئِهِ، ويُسلِّم على رأسهِ، فقالَ لهُ زميلنَا: هلْ عديلك ضربكَ أو صوَّبكَ بسلاحٍ؟، قالَ لا، لكنَّه هدَّدنِي وطوَّلَ لسانَهُ عليَّ، قلنَا لهُ طالمَا الموقفُ كانَ خاليًا من الشِّجارِ ومَا في حُكمِهِ، فنَرَى أنْ يُسلِّم كلُّ واحدٍ منكُم على الآخرَ ويُسامحهُ، خاصَّةً ونحنُ في شهرٍ كريمٍ تتضاعفُ فيه الحسناتُ، وعفَا اللهُ عمَّا سلفَ، وفعلًا اصطلحَا وسلَّمَ كلٌّ منهمَا على الآخرِ، بعد قطيعةٍ دامتْ بضعَ سنواتٍ، وكسبَ المصلحُون أجرَ الصلحِ الذي هو خيرٌ، ونبذَ المتقاطعُون القطيعةَ، وكسبُوا تواصلَ الصِلةِ بينهُم، فلوصلهَا عظيمُ الأجرِ والثَّوابُ عندَ اللهِ.

* نبض: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله).

وفي الحديث: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store