Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

قولوني العصبي في رمضان!!

بضاعة مزجاة

A A
قولونِي العصبيُّ (العزيزُ) أَشْهَرَ عليَّ في شهرِ رمضانَ المنصرمِ عصيانَهُ المدنيَّ، فلمْ أستطعْ قمعَهُ، وكلَّما دخلْتُ معهُ في مفاوضاتٍ يُفشِّلهَا هُو؛ مثلمَا فشَّلتْ إسرائيلُ أيَّ خططٍ لحلِّ الدَّولتَين طيلةَ القرنِ السَّابقِ إلَّا رُبْعَهُ!.

وآلَ الأمرُ معَ قولونِي برفعِي للرَّايةِ البيضاءِ استسلامًا وخضوعًا لهُ، عساهُ يكف عنِّي ما أرَّقنِي من آلامٍ وأقضَّ مضجعِي بسببِهِ!.

والقصَّةُ باختصارٍ بدأتْ قبلَ رمضانَ بكثيرٍ، إذْ كانتْ ساعةُ دخولِي البيولوجيَّة للحمَّامِ -أعزَّكُم اللهُ- ثابتةً، عقاربُهَا تقريبًا في الصَّباحِ، وعندمَا جاءَ رمضانُ أخذتنِي العزَّةُ بالإثمِ وقرَّرتُ عدمَ تغييرِ السَّاعةِ رغمَ الصِّيامِ؛ الذِي تختلفُ فيهِ عاداتُ الطَّعامِ، ويكادُ يصبحُ النَّهارُ ليلًا واللَّيلُ نهارًا، فوقعتْ عدَّة معاركَ شرسةٍ بينِي وبينَ قولونِي، واشتبكتْ حركاتُ جسمِي الإراديَّة متمثِّلةً ببعضِ (الحزْق) مع حركاتِ قولونِي اللا إراديَّة، وبالصدفةِ كانَ الانتصارُ لِي، فلبثَ هُو أيَّامًا هادئًا ثمَّ غضبَ عليَّ غضبةً شديدةً مثل غضبةِ الدبِّ الذِي يُسرقُ منهُ عسلُ الجبالِ بعدَ أنْ يتسلَّقهَا، ويخطفَ العسلَ اللذيذَ من وسطِ بيوتِ النحلِ اللاسعِ مُؤمِّلًا أنْ يأكلَهُ على انفرادٍ!.

وهكذَا انتفختْ أوداجُ قولونِي، وأصدرَ أوامرَهُ بمهاجمةِ أعضاءِ جسمِي الأُخْرَى البريئةِ براءةَ الذئبِ من أكلِ النبيِّ يوسف بن يعقوب -عليهمَا السَّلام-، وبدأَ يغزوهَا بجيوشِ الآلامِ انتقامًا فظيعًا لهزيمتِهِ السَّابقةِ، فتارةً أشعرُ بالألمِ والخفقَانِ في قلبِي، وتارةً في بلعومِي وحلقِي، وأُخْرَى في عضلاتِ بطنِي المسكينةِ، وآلامِ هذهِ الأخيرةِ لا يُطاقُ، فجرْجرْتُ نفسِي على وجهِ السرعةِ للطبيبِ، الذي قالَ لِي بالحرفِ الواحدِ وبلهجتِهِ المصريَّةِ أنَّ (الحزْق) ضدَّ قوانين القولونِ، وهو يحترمُ قوانينَكَ ويتوقَّع منكَ أنْ تحترمَ قوانينَهُ، وإلَّا نشبت الحروبُ البرِّيَّة والبحريَّة والجويَّة، وفي ٩٩٪ من الحالاتِ ينتصرُ انتصارًا مُبينًا!.

وأخيرًا، وقَّعْتُ وثيقةَ استسلامِي المُهينِ لقولونِي، كمَا وقَّع اليابانُ وثيقةَ استسلامِهِ لأمريكَا بعدَ إلقائِهَا لقنبلتَين نوويَّتَين على مدينتَي هيروشيما وناجازاكي، وسلَّمْتُ لقولونِي الجملَ بمَا حملَ، إذْ لا طاقةَ لِي بحربِهِ، ولا لتغييرِ قوانينِهِ، وكلُّ الذِي أرجُوه منهُ، هُو أنْ يتواضعَ فيُشفقَ عليَّ، وكلُّ عيدٍ وأنتمْ مع قولوناتِكُم بخيرٍ!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store