Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة(1)!

A A
«ألم ترَ كيفَ فعلَ ربُّكَ بأصحابِ الفيل، ألمْ يجعلْ كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول»..

كانت الآية ترّن في سمعي، وتوقر في فؤادي، مستجليًا بها صورة ما أنا مُقدم عليه، وقوفًا على الأثر المنظور في «طريق الفيل».. كانت عقارب ساعتي تتقافز نحو التّاسعة صباحًا، عندما قصدتُ بغيتي، نهبتُ الطّريق عجلاً، فإذا ما انقضى من عمر الزمان ساعة كنتُ في محافظة العقيق، التي لا تبعد عن مدينة الباحة سوى 50 كلم تقريبًا.. لم يكن لي علم بالمكان؛ وإنَّما رحتُ أقرّبه في خيالي تقريبًا، متسائلاً: هل ثمّة هياكل عظميّة لأفيال؟ هل بقيت من أحجار «السّجيل» بقية؟ كيف يبدو الطّريق في امتداده المتّصل من الحبشة؟ كلّ هذه الأسئلة دارت بخاطري وأنا أحاول أنْ أتلمّس طريقي مستعينًا في ذلك بإرشادات مَن وجدتهم على الطّريق، فمِن مقرّب لها بإشارة إلى منطقة «جرب»، ومَن مشير بعدم المعرفة، غير أنَّ الكلَّ أجمع على عدم قدرة السّيارة على المضي أكثر من ذلك في ظل طّريق غير سّالك، فترّجلتُ وأخذتُ أتقفّى طريقي على هدى التّوجيهات والإرشادات..

في الطّريق إلى «جرب»؛ بوصفها الموصلة إلى «طريق الفيل»، بدا المسار متشعّبًا، والأزقّة الملتويّة داخل المحافظة، خاصة أنَّها لا ترشد أبدًا إلى أيِّ بادرةٍ إلى «جرب»؛ ناهيك عن المكان المزمع الذهاب إليه..

وبعد سير مضنٍ بدت لوحة مكتوب عليها «جرب 70 كم».. واصلتُ سيري في طريق بدأ يتحسّن بعض الشّيء بدخول «التّعبيد» عليه، حين أدركتني صلاة الظهر في أحد المساجد على الطّريق، وجدتها فرصة سانحة للتّأكد من صحة مساري الذي أنا فيه باتجاه مقصدي وبغيتي، وكانت البشارة من أحد قاطني تلك المنطقة بأنّي لستُ بعيدًا من مقصدي.. أكملتُ المشوار متّبعًا إرشادات ذلك الرجل، حتّى وصلتُ إلى القرية «الخيريّة» التي أمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ببنائها، عندها دلّني أحد سكانها، على «طريق الفيل»، مشيرًا بيده إلى ما خلف الجبل القائم في القرية.. ثمّ تابعتُ المسير حتّى رأيتُ رجلاً طاعنًا في السّن، عليه أمارات الخيريّة والصّلاح. سألته عن مكان الطّريق تأكيدًا من صحة ما قال به ذاك الرجل.

أكْدَّ لي ذلك مرشدًا أيّاي إليه؛ حتّى أوصلني إلى أوّله، ثم تركني أتأمّل حصيلتي المعرفيّة.

هأنذا أخيرًا في»طريق الفيل».. طفقتُ أتأمّلُ هذا الأثر الذي أمامي.. حجارة رُصّت بطريقة تُوحي بأنَّ هناك مَن قام بعملية «التّعبيد» بقصد أمر ما.. وأنا في حال التّأمّل تلك أكّد لي أحد الأعمام أنَّ الطّريق تعرّض إلى الكثير من التّعرية بفعل تقادم السنوات حتّى اختفت، مشيرًا لي بحقيقة أنَّ هذا طريق الفيل بقي طريقًا ومعبرًا للحجاج القادمين من اليمن، بعد أن دخل النّاس في دين الله أفواجًا، قبل أن تتوحد هذه الأرض الطّاهرة على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه.

فماذا وجدت من بقايا تلك الرّحلة التي أَقْدم عليها أبرهة؟ وكيف هو الأثر المتبقي من تلك الطريق الموصلة إلى مكة المكرمة؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store