Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

بيع بالمشعاب !

A A
* أن تدفع مقابل أن تشاهد لقاءً في كرة القدم، أو فيلماً، أو حتى نشرة أخبار من النوع النخبوي، فهذا لم يعد غريباً في زمنٍ أرخت فيه الرأسمالية عضلاتها الثقيلة على كل أيديولوجيات الدنيا، وتنامت ثقافة الاستهلاك التي كرّست الطبقية في كل شيءٍ تقريباً.. لكن الغريب والمزعج في آن؛ هو أن تتجاوز الثقافة الاستهلاكية كل الحدود الزمانية والمكانية، وحدود الذوق والآداب العامة، لتطاردك أينما يمّمت (وجه جوالك)، وتنتهك خصوصيتك لدرجةٍ تعجز معها كل حوائط منزلك الإسمنتية في أن تقيك شرور إزعاج حملاتها الإعلانية، وكأنها تتحداك قائلة: سأصلك حتى لو كنت في أقصى ركنٍ ركينٍ من حجرة نومك!.

* ونظراً لأن هذه السلع - المزعجة- لم تعد سلعاً تقليدية كالتي توضع على رفوف المتاجر، فلا بد أن تختلّ معها أطراف المعادلة التجارية التقليدية، فلم تعد عرضاً وطلباً كما كانت في السابق، بل عرضٌ وعرضٌ وعرضٌ حتى الإملال أو الشراء!.. فالقوم يتناوبونك بعروض لا تنتهي ولا تحترم أوقات عمل ولا راحة، فيغرقون هاتفك بسيلٍ من رسائل لا ينفع معها الحظر ولا (التبليك) ولا حتى الشكاوى.. وصولاً إلى الاتصال المزعج من قبل موظفين ثقلاء الطينة، والإيحاء لعقلك الظاهر والباطن وشعور الوعي واللاوعي عندك، ليضعوك في النهاية أمام خيارات ثلاثة.. فإما الشراء منهم قصراً للشر وإراحة دماغك.. أو توريط ثلة من أصدقائك بتسريب أرقامهم كي ينالوا شيئاً من صنوف العذاب الذي تتعرض له.. أو تغيير شريحة جوالك.. والحل الأخير ربما يكون فيه تفسير منطقي، وإجابة معقولة للسؤال الكبير: لماذا يغير بعض السعوديين أرقامهم باستمرار؟!.

* تتعهدني - منذ سنوات طويلة - شركتان من شركات (البيع بالغصب) بكل أنواع وأشكال الإزعاج، ورغم أني قد جربت معهم كل الأساليب المهذبة وغير المهذبة، إلا أنني فشلت تماماً في إقناعهم بأنني لست الشخص المناسب للشراء منهم، فإحدى الشركات لازالت تصر على أن تبيع لي - وبالقوة- جهازاً كهربائياً أثبتت التجارب فشله، بينما تحاول الأخرى أن تبدو أكثر ذكاءً حين توهمك أنك قد فزت بعدة ليالٍ في بعض الفنادق، لكنك سرعان ما تكتشف حجم الخديعة عندما يطلبون منك مقابلاً مالياً أكبر من الذي ستدفعه للفنادق ذاتها فيما لو ذهبت بنفسك!.

* في أحد أفلامه القديمة يُردِّد (عادل إمام) عبارة طريفة تقول: «إحنا اللي عبّينا الهوا في (قزايز)»! ورغم أننا كنا نضحك في ذلك الوقت لإيماننا باستحالة حدوث ذلك لدخوله ضمن باب (الفشر) الذي لا يقع.. فلك اليوم أن تضحك أيضاً ولو من باب شر البلية إن علمت أن (ربعنا) لم يكتفوا بتعبئة (الهوا) في زجاجات فقط.. بل إنهم يحاولون إجبارك على شرائه غصباً، وبالمشعاب!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store