Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

الذهب الوردي السائل في المملكة

A A
عندمَا يُذكرُ اسمُ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ في أيِّ مكانٍ في العالمِ، يأتِي في الذهنِ لأولِ وهلةٍ بأنَّها البلدُ الأكثرُ إنتاجًا للبترولِ في العالمِ، وإذا سألتَ أيَّ شخصٍ عن أيِّ منتجٍ تنتجهُ المملكةُ سوَى النفطِ، ستراهُ في الأغلبِ يقفُ صامتًا عاجزًا عن النطقِ أو التفكيرِ، رغمَ أنَّ المملكةَ دولةٌ غنيةٌ بالكثيرِ من المواردِ والإمكانياتِ التي حرصنَا على ذكرهَا طوالَ البحوثِ في المقالاتِ السابقةِ، ونواصلُ في سردهَا، ومن هذهِ المواردِ التي لا يعلمهَا الكثيرُ هي صناعةُ العطورِ من الوردِ الطائفيِّ الذِي يُعدُّ الأغلَى على مستوَى العالمِ، ويطلقُ الخبراءُ الفرنسيُّون على الطَّائفِ «مملكةُ العطورِ» حولَ العالمِ.

ووفقًا لوكالةِ أنباءِ الشرقِ الأوسطِ، نجحنَا في تسجيلِ 84,450 وردةً في موسوعةِ جينيس كأكبرِ سلةِ وردٍ في العالمِ، ويبلغُ عددُ شُجيراتِ الوردِ في الطائفِ نحو 1.144000 في أكثرِ من 910 مزرعةً، بإجماليِّ مساحةٍ تُقدَّر بنحو 270 هكتارًا من الأراضِي الزراعيَّةِ، وتنتجُ 550 مليونَ وردةٍ سنويًّا بدايةً من شهرِ مارس إلى نهايةِ شهر أبريل، وهناكَ أكثرُ من 70 مصنعًا ومعملًا مهتمًّا بصناعاتِ الوردِ الطائفيِّ باستثماراتٍ في السوقِ السعوديِّ بلغت 64 مليونَ ريالٍ.

يُستخدمُ الزيتُ المستخلصُ من بتلاتِ الوردِ الطائفيِّ في صناعةِ أرقَى أنواعِ عطورِ العلاماتِ التجاريَّةِ الفاخرةِ حولَ العالمِ، ولكَ أنْ تعلمَ أنَّ القارورةَ الواحدةَ التي تحتوي على 10 جراماتٍ من العطرِ، تُستخلصُ من 40 ألفَ وردةٍ، ولذلكَ فهو عطرٌ باهظُ الثمنِ، حيثُ يبلغُ سعرُ الـ»تولةِ» بحجمِ 12 ملليلترًا ٣٥٠٠ ريالٍ أي ما يقاربُ الألفَ دولارٍ، وتنتجُ مزارعُ الورودِ حوالى 700 طنٍّ في مدينةِ الطائفِ من ماءِ الوردِ، بينمَا من دهنِ الوردِ تنتجُ 40 ألفَ تولةٍ سنويًّا، ويتم تصنيعُ ما يصلُ إلى 40 منتجًا من الوردِ الطائفيِّ، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: الدُّهن وماءُ الوردِ والبخورُ والكريماتُ والصابونُ.

ليس هذا فقط، بل تساهم مزارع الورد الطائفي في جذب السياحة الأجنبية والداخلية، حيث يجذب مهرجان الورد الملون في نهاية موسم الحصاد ما يقارب 20,000 شخص، وهو ما يساهم في تعزيز التعريف بثقافة المملكة، وكذلك الكثير من الحجاج والمعتمرين يختتمون زيارتهم للمشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة بزيارة مرتفعات الطائف المجاورة.

البعضُ ينظرُ إلى العطورِ على أنَّها صناعةٌ على الهامشِ، ولكنَّه لا يتخيَّل أنَّ حجمَ سوقِ العطورِ عالميًّا وصلَ لـ61.79 مليارَ دولارٍ أمريكيٍّ في عام 2023، ومن المتوقعِ أنْ يصلَ إلى 84.02 مليارَ دولارٍ أمريكيٍّ بحلول عام 2028، وإقليميًّا يبلغُ حجمُ سوقِ العـطورِ في الخليجِ 2.7 مليار دولارٍ، وإنفاقُ الفردِ على العطورِ في الخليجِ من أعلى المعدَّلاتِ عالميًّا فقد بلغَ 67 دولارًا، وتتصدَّر السعوديَّة والإماراتُ قائمةَ أكثرِ الدولِ استهلاكًا للعطورِ في الشرقِ الأوسطِ، وهناكَ دولةٌ واحدةٌ فقط تستحوذُ على 27% من إنتاجِ العالمِ، ألَا وهِي فرنسا، وتأتِي إسبانيا في المرتبةِ الثانيةِ عالميًّا في إنتاجِ العطورِ وتصديرهَا بنسبةٍ بلغت 10.1% من إجماليِّ حجمِ صادراتِ العطورِ دوليًّا، في حينِ كانتْ المرتبة الثالثة من نصيبِ ألمانيا بنسبةِ 9.2%.

للأسفِ لم نستغل قيمةَ الوردِ الطائفيِّ الذي يُعدُّ من أرقَى الأنواعِ عالميًّا بالشكلِ الأمثلِ، من خلالِ التوسعِ واحتلالِ مكانةٍ هامَّةٍ على الخريطةِ العالميَّةِ في إنتاجِ العطورِ، رغمَ الجهدِ المبذولِ في هذهِ الصناعةِ، فوفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن مجموعةِ IMARC بعنوان «سوق العطور»، بلغتْ قيمةُ صادراتِ المملكةِ من العطورِ 42.4 مليون دولارٍ، ولذلكَ فهناكَ ضرورةٌ ملحَّةٌ للاهتمامِ بهذهِ الثروةِ، فالكثيرُ من العطورِ والبرانداتِ العالميَّةِ المستوردةِ من الخارجِ هي في الأصلِ مُستخلصةٌ من عطورٍ سعوديةٍ.

واخيرًا وليسَ آخرًا، فإنَّ هناكَ ضرورةً لإعادةِ اكتشافِ مواردنَا مرَّة أُخْرى، والعملِ على تنميةِ هذهِ المواردِ قدرَ الإمكانِ، بمَا يساهمُ في تعزيزِ وتنوُّعِ الاقتصادِ، وقدرته على مواجهةِ كافَّةِ التحدِّيات، فتصنيعُ العطورِ بصورةٍ مماثلةٍ للبرانداتِ العالميَّةِ، واحتلالُ مكانةٍ هامَّةٍ بين الدولِ الكبارِ في هذهِ الصناعةِ، ليسَ أمرًا تكنولوجيًّا معقدًا من الصعبِ معرفتهُ، ولكنَّه في حاجةٍ إلى تخطيطٍ ومثابرةٍ، مثلمَا يدعُو دائمًا الملكُ سلمان بن عبدالعزيز وولي عهدهِ الأمير محمد بن سلمان -حفظهمَا اللهُ-.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store