Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

المتطرفون أعداء الفنون

الحبر الأصفر

A A
كَثُر الكَلام عَن التَّطرُّف وعَقليَّة المُتطرفين، ولَا عَجَب فِي ذَلك، فالكَلام يَأتي عَلَى قَدْر الظَّاهِرَة، وظَاهِرة الإرهَاب والتَّطرُّف كَبيرة، وعَمَّت بشَرِّها وضَرَرِهَا الجِهَات الأَربَع مِن الكُرَة الأَرضيَّة..!

فِي هَذه الكِتَابَة؛ لَن أَتحدَّث عَن التَّطرُّف وأَسبَابه، والإرهَاب ودَوافعه، لأنَّه مِن المُستَحيل حَشْر هَذه الظَّاهِرَة؛ فِي مَقالٍ لَا يَتجَاوز 300 كَلِمَة، لَكن هُنَا سأَتحدَّث عَن مَلمح مِن مَلامِح الإرهَاب، لَاحظتُه بَعد طُول مُتَابعة وتَأمُّل.. هَذه المَلَاحَظَة تَقول: إنَّ المُتطرِّف لَديه مُشكلة شَخصيَّة مَع الفنُون، بكُلِّ أَشكَالِهَا، سَوَاء كَانت تَتَّصل بالمُوسيقَى أَو بالمَتَاحف، أَو بالفَنِّ التَّشكيلي أَو بالتَّماثيل، أَو حَتَّى بلَعبة الشَّطرَنج..!

وحَتَّى أُثبت هَذا، إليكُم هَذين المِثَالين: عِندَما دَخَلَت حَركة طَالِبَان إلَى أَفغَانستان، لَم تَبنِ طُرقًا، ولَم تَفتَح مُستشفيَات وجَامِعَات ومَدارس، ولَم تُؤمِّن الطَّعَام للسُّكَّان، بَل اتّجهت إلَى تَماثيل «باميان» ونَسفتهَا، وكَأنَّ تَدمير هَذه التَّماثيل، شَرط مِن شرُوط العَقيدَة..!

مِثَال آخَر: عِندَما دَخَلَت دَاعِش إلَى مَدينة «تدمر» الأثريَّة السُّوريَّة، دَمَّرت المَسَارح والمَتَاحِف التَّاريخيَّة، مَع أنَّها لَيست مِن الأَولويةِ بمَكَان، وكَذَلك فَعَلَت دَاعِش فِي مَتَاحِف المُوصل بالعِرَاق..!

أمَّا لُعبة الشَّطرَنج، فيُحرِّمهَا بَعض المُتشدِّدين العَرَب، ويَصفونَ مَن يُمَارس هَذه اللُّعبَة بالفِسْق..!

أَكثَر مِن ذَلك، تَعَالَت فِي السَّنوَات الأَخيرَة، أَصوَات بَعض المُتَطرِّفين فِي مِصر، بضَرورة تَحطيم الأهرَامَات، وكَأنَّ مِصر قَد خَلَت مِن المَشَاكِل، وعُملتهَا المَريضَة -اقتصاديًّا- تُنَافس الدُّولَار، ولَم يَبقَ إلَّا تَدمير الأهرَامَات، لتَنتَقَل مِصر مِن العَالَم الثَّالِث، إلَى مَصَاف العَالَم الأَوَّل..!

وأَخيرًا: لَو تَجوَّلتَ فِي اليُوتيوب، لوَجدتَ عَشرَات المَقَاطع؛ التي تُظهر بَعض المُتشدِّدين؛ في أنحَاءٍ مُتفرِّقة مِن العَالَم العَربي، وهُم يُهشِّمون الآلَات المُوسيقيَّة المُختَلفَة، فِي حَفلةِ تَكبير، وكَأنَّ تَحطيم الآلَات المُوسيقيَّة؛ يُعادل فَتح بَيت المَقدس..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: لقَد قُلتُها مَئة مَرَّة، والآن أَقولهَا للمَرَّة الـ(101): إنَّ الفنُون بكُلِّ أَشكَالها تُهذِّب الإنسَان، وتَجعله يَرتَقي فِي سلّم الحَضَارة، وتَدعوه إلَى التَّوَازُن النَّفسي والعَاطِفي، والمُتطرِّف بطَبيعته عَدو للتَّوَازن والاتّزان والاعتدَال..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store