Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

عروس النيل..انتحرت!

إضاءة

A A
اختلف المحتفلون بيوم «وفاء النيل» في مصر حول العروسة! فمن قائل إنها كانت دمية، ومن قائل إنها كانت إنسانة! وراحت الصحف والقنوات تبحث في الأمر مستعينة بأساتذة التاريخ وعلماء المصريات واللغة الهيروغليفية! وقالت مديرة العلاقات بالقرية الفرعونية إنه من الثابت أن المصريين كانوا يقدمون للنيل الورود والقرابين!

والحق عندي أن التعبير المناسب في مثل هكذا حال أو حالة هو «علامَ هذا الصخب.. ونيلُكم الآن يضخ من أعماقه جمر الغضب.. من المنابع حتى المصب»؟!

لقد اكتمل المشهد المضحك أو المبكي أو المؤسف حين وقفت محتفية مع المحتفين بـ»وفاء النيل» لتعرب عن استيائها من ضعف الاحتفال بالمناسبة الكبرى واصفة الحفلة بأنها ركيكة! والواقع سيدتي أن الركاكة في التعامل مع النيل لم تكن في الحفلة ولا في القرية الفرعونية، وإنما في الأداء العام مع القضية ..قضية النيل الذي لم يعد بعافية والذي يحيطه القبح من كل ناحية!

ويقيناً لو أن النيل تكلم لخرج صياحه أو أنينه للكون..عاصفة من سخط ومن جنون، على ما فعله ويفعله به المصريون!.

أعرف رئيساً سابقاً للحكومة، كلف لجنة لإزالة التعديات على النيل في أنحاء مصر، معبراً عن استيائه من كم الاعتداءات الهائل في كل المحافظات حيث يمضي النهر! فلما جاء دور القاهرة اكتشفت اللجنة أن معاليه كبير المعتدين، حيث بنى قصره في قلب النيل!

وأعرف وزيراً سابقاً للثقافة أقام مؤتمرات وندوات عن النيل وعن خطورة الاعتداء عليه، وعن التلوث البصري، بل إنه أقام معارض عدة عن النيل الذي يمنح المصريين كل شيء جميل، فلما بحثت لجنة التعديات اكتشفت أن أجهزة الحكومة شاركت في بناء فيلا للسيد الوزير في قلب النيل!.

هذا عن الأداء الوزاري أو الحكومي مع النيل الذي تحول الاحتفال بوفائه الى محض تخاريف وجنون قديم، وأساطير مسلية يتوارى خلفها العابثون المعتدون الملوثون، شأنه في ذلك شأن كل النعم التي أنعم الله بها على مصر من آثار ومعادن ورمال وأشجار!.

أما عن الأداء القومي، فحدِّث ولا حرج! بيانات من هنا وأخرى من هناك تؤكد أن سد النهضة الأثيوبي لن يمس قطرة من مياه النيل، وأخرى تؤكد أن الجفاف قادم لا محالة! وهناك من يقول إن الحل في زنجبار، وآخرون يقولون إنه في المخزون الهائل من المياه الجوفية التي تكفي لزراعة ملايين الأفدنة!.

في صباح اليوم التالي للحفلة.. حفلة عروس النيل كانت الصحف تتحدث عن أن أثيوبيا قدمت ضمانات للخرطوم التي أبدت مخاوفها من عدم امتلاء البحيرة الواقعة خلف السد بعد تشغيله مما يؤثر على أرض السودان ومنشآت الري!.

وكان عالم الهيروغليفيات المصري يحسم الأمر قائلاً: إن المصري القديم لم يكن يلقي في النيل بعروس آدمية ولا دمية خشبية وإنما تماثيل صغيرة مصنوعة من الفيروز الحر!.

هنا أكاد أسمع النيل بصوته الخفيض وهو يهدر ويفيض مردداً: تمهلوا تمهلوا وأنتم تحتفلون أو تختلفون أو تعبثون حتى لا أموت حسرة عليكم وعلى أدائكم بعد هذي السنين!

أما عن عروس النيل الإنسية أو الخشبية فمن الثابت أنها لو كانت موجودة لألقت بنفسها في النهر..ليس من باب الوفاء وإنما من باب القهر!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store