Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

تداول الضغائن والشماتة!

الأمر لازال بين يدي أولي الأمر رهن التحقيق وهو الأمر الذي يستوجب من المجتمع مؤازرة الدولة بالصمت وعدم الخوض في سير الناس والطعن فيهم دون بينه

A A
لا شك أننا عانينا من الفساد وجذوره الممتدة في قيعان بنيتنا الاقتصادية والإدارية، ورؤوسه المتطاولة إلى عنان أحلامنا وراحة بالنا حتى أصبحت المعاناة عامة والشكوى جماعية من هذا الداء العضال - الفساد - المستشري والمتضخم كورم سرطاني لم يترك خلية سليمة إلا داهمها، ودمر ورعها وتقواها، لذلك توالت الحملات لاجتثاث الفساد لكنها كانت تفشل أمام تجذره وتطاوله وانتشاره كما يفشل العلاج أمام انتشار الورم السرطاني في الجسد البشري عندما يهمل علاجه والحد من انتشاره فوراً مع بوادر ظهوره، لكن هذا لا يعطينا الحق في التشهير والشماتة وتداولها على قنوات التواصل الاجتماعي دون إدراك لاعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن ما نتداوله مؤلم وجارح كنصلٍ في الخاصرة لذوي المعنيين بالتوقيف أو الإحالة، والأمر لازال بين يدي أولي الأمر رهن التحقيق وهو الأمر الذي يستوجب من المجتمع مؤازرة الدولة بالصمت وعدم الخوض في سير الناس والطعن فيهم دون بينة

.

حملة القضاء على الفساد لا زالت في أولها والرؤوس اليانعة والتي حان قطافها كثيرة وربما تكون من تلك التي ارتفعت أكفها تصفيقاً وأصواتها ضغينة وشماتة لتوهم نفسها أن قاطرة العدالة تجاوزتها، وأنها آمنة كالجبان الذي يصرخ في الظلام ليمنح قلبه الواجف نفحة أمان. الوطن يمر بمرحلة تغيير جذري، وأطوار تنموية نهضوية لنقف بتمكن وشموخ في صفوف الحضارة والمدنية. التحضر لا يعني استخدامنا للأدوات وإهمال القيم، والمدنية تعني الجانب المادي من الحضارة كالعمران ووسائل الاتصال والترفيه يقابلها الجانب الفكري والروحي والخلقي من الحضارة، والإنسان المتحضر صاحب الخلق راعي القيم يدرك حجم الألم والجراح التي يداريها أصحابها، ويقدر بشاعة الضغينة والشماتة في مثل هذه المواقف الحساسة لأن الأوامر الملكية التي أخذت في تهيئة المجتمع للنهوض الحضاري عبر العديد من القرارات كهيئة الترفيه والثقافة وقيادة المرأة للسيارة واسترداد بعض الحقوق المسلوبة من المرأة إنما تسعى لنشر قيم العدالة والنزاهة والوعي بالحقوق والواجبات، ولا بد لنا من استيعاب كل هذا وتحويله إلى سلوك حضاري يساند ويؤازر جهود ولاة الأمر في مرحلة النهوض والتخلص من أغلال الفساد المعيق الأزلي لأي أمة تسعى للتقدم.

بقدرة قادر أصبح المواطن السعودي مرتهناً لحالة « الترقب» وبعض منهم لا يكتفي بنفسه وبحالة القلق والترقب التي يعايشها وربما تضغط على أسرته، بل يشرك الآخرين في تبني حالة القلق والترقب عبر الرسائل المتواصلة من خلال قنوات التواصل، حتى القنوات الإخبارية تضع خبراً على الشريط الإخبارى « أوامر ملكية بعد قليل» مثلاً، هذا لا إشكاليه فيه، فالنفس البشرية مفطورة على حب المعرفة، واستجلاء المخبوء، وكشف المستور، لمعرفة المستقبل أو ما تحمله الأيام من أحداث، لكن الإشكالية في استغلال الأوامر الملكية الكريمة لبث الأخبار الكاذبة والتشفي من الشخصيات الاعتبارية وصرف التفكير عن الأوامر الحقيقية وأهدافها السامية لإحداث بلبلة وتشويش في مجتمع أدمن القص واللزق والإرسال والتحويل دون قراءة متأنية واعية وحس نقدي ينتقي ما يمكن تداوله وما يستحق التأني والتفكر كي لا نتحول إلى وسيلة رخيصة لمن يسعى لإحداث الفتن وصرف التفكير إلى جوانب سلبية ومجالات للخوض والشماتة والتشفي.

الأوامر الملكية استجابة لدواعي النهضة التي يعيشها الوطن، والمجتمع يتلمس فيها تحقيق تطلعاته وما تشتهي الأنفس، ولا شك أن استئصال الفساد والبيروقراطية والاستقرار الأمني والاقتصادي تشكل أحلام وتطلعات المواطن، لكن دون استغلال للتشفي وتداول الأحقاد والشماتة في مصاب أي من كان (يا شامت في يومي لك يوم أشمت من يومي ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store