لَا أَعتَقد أَنَّ لَدينَا نَقصاً فِي الأَفكَار والاقترَاحَات؛ لأنَّ مَن يَدخل ويَغشَى - مِثلي - مَجَالِس النَّاس، سيَسمَع فِي كُلِّ جَلسَة عَشرَات الأفكَار والاقترَاحَات، التي لَا يَنقصهَا إلَّا التَّطبيق، كَمَا أَنَّ النَّاس فِي مُجتمعنَا –
فِي الغَالِب- لَيس لَديهم نَقص فِي الوَعي، والسّلُوك السَّليم، ولَكن لَديهم فَقر وأَنيميَا حَادَّة فِي التَّطبيق، والحِرص عَليه..!
تَأمَّلوا قَول الله تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.. بالله تَأمَّلوا دِقّة القُرآن الكَريم، وحِرصه عَلَى بِنَاء السّلُوك، ورَبطه بالمَسَالك؛ حَيثُ رَبطَ بَين الإيمَان - المُتضمِّن العِلْم والمَعرفَة - والعَمَل -وهو التَّطبيق والسّلُوك- وهَذه السّورة - رَغم قصرهَا - تُعتبر مَنهَجَاً فِي بِنَاء الأُمَم..!
إنَّ الفِكْرَة تَظَل يَتيمَة إذَا لَم يَتبنَّاهَا التَّطبيق، وإذَا جَاءت سِيرة التَّطبيق، يَجب أَنْ يَبدَأ الإنسَان بنَفسهِ؛ لأنَّ كُلّاً مِنَّا كَريم فِي نُصح غَيره، بَخيل فِي تَطبيق هَذه النَّصَائِح عَلى نَفسِهِ، مِن خِلال نُصح نَفسه بنَفسه، وقَد لَمسَ هَذه النُّقطَة؛ أَديبنَا الكَبير «جبران خليل جبران»، حِين قَال: «سأَبدأ بنَفسي أَوَّلاً.. كُلُّ فِكرٍ حَبَسته عَن الظّهور بالكَلَام، يَجب أَنْ أُطلقه بالأَعمَال»..!
أَكثَر مِن ذَلك، لقَد صَرخ الأَديب «أحمد الضبع» فِي إِحدَى كِتَابَاته قَائِلاً: «يَجب أَنْ لَا نَتقَاعس عَن تَحرير أَفكَارنَا مِن مَحَابِسهَا، ونُعزِّز مِن قَابليّتهَا للإنجَاز والتَّطبيق، ذَلك إذَا أَردنَا القَضَاء عَلَى عنُوسةِ الأفكَار»..!
وفَوق ذَلك، إنَّ معضلة الأفكَار لَيست فِي إنتَاجهَا، بَل فِي تَحويلهَا إلَى تَطبيقَات، ومُنتجَات عَلَى أَرض الوَاقِع؛ ولِذَلك كَان أَوّل هَمٍّ يُدَاهم مُصمّم الشَّخصيَّات الكَرتُونيَّة الشَّهير «والت ديزني»، هو تَحويل الأقوَال إلَى أَفعَال؛ حَيثُ قَال فِي مُذكِّرَاته: «يُمكنك أنْ تَحلَم وتَبتَكر وتُبدع أَعظَم الأفكَار فِي العَالَم، لَكنَّك بحَاجة إلَى فَريق لتَحويل الأفكَار إلَى نَتَائِج»..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّني أُحَاول أَنْ أُطبِّق كُلّ مَا أَقول، وإذَا لَم أَستَطع، فإنِّي أُحَاول أَنْ أُطبِّق الأَكثَر، وإذَا لَم أَستَطع، فإنِّي أَتوقَّع أَن أَقطَع الوعُود عَلَى نَفسِي..!!