Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

الله أعلم ..

قد يظن الكثير بأنه اذا كان لا يعرف الاجابة على أي سؤال فهذا نقص فيه أو عيب أو تحقير لمكانته أو منزلته العلمية أو العملية، ولكن الحقيقة التي يجب على الجميع التيقن منها والعمل بها هي عكس ذلك تماماً فلقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء والفقهاء الأجلاء يتوارثون مقولة: "من قال الله أعلم فقد أفتى"

A A
من الإفرازات السلبية للطفرة المعلوماتية التي وصلنا إليها اليوم في عالم التواصل الاجتماعي والتكنولوجي الحديث في نشر المعلومة وسهولة الوصول إليها هو انتشار ظاهرة كبيرة ومتفشية بين الناس وتكمن في الإجابة من بعض الأشخاص على كل سؤال أو موضوع يطرح أو تتم مناقشته حتى لو لم يكن في مجال علمه وعمله أو تخصصه أو حتى في مجال معرفته، ولكن مع ذلك تجده يتسابق ليتحدث سواء بالصح أو بالخطأ ليثبت للجميع بأنه يعلم كل شيء ويفهم كل شيء!!.

هذه الظاهرة وُجدت لدينا وفي معظم الدول العربية بشكل متنامٍ حتى طالت موضوع الفتوى الدينية على أيدي من كانوا دعاة ومن ثم تحولوا الى الإفتاء والتدريب نظراً لالتفاف بعض الناس حولهم ووجدوها سلعة يمكن تمريرها بكل سهولة على بعض الجهلة والسذج، وهذه الظاهرة أيضاً وصلت الى التشخيص الطبي ويمكن للبعض أن يدلك على علاج ظناً منه بأنه يعلم مثل الطبيب المختص ويمكن بذلك أن تكبر الحالة والمرض الى أن تتيقن بأنه يجب عليك استشارة المختصين ولا تكن عرضة لمثل هؤلاء الناس الذين يظنون بأن تجاربهم ومعرفتهم هي كل ما في الكون من علم ومعرفة.

قد يظن الكثير بأنه اذا كان لا يعرف الاجابة على أي سؤال فهذا نقص فيه أو عيب أو تحقير لمكانته أو منزلته العلمية أو العملية، ولكن الحقيقة التي يجب على الجميع التيقن منها والعمل بها هي عكس ذلك تماماً، فلقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء والفقهاء الأجلاء يتوارثون مقولة: «من قال الله أعلم فقد أفتى»، فأهون على المرء عند الله أن يقول: «الله أعلم» من أن يفتي بغير علم، ويورث بغير دراية، فيضل ويضل، فـ «الله أعلم» حكمة تشتمل على نصف العلم، فهذا عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه، كان على المنبر وأفتى في المهور، فقالت امرأة «حسبك في هذا إنما الصواب كذا وكذا...»، فلم تأخذه العزة بالإثم وإنما قال: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، وسئل علي كرَّم الله وجهه وهو على المنبر، فقال: لا أدري، فقيل: ليس هذا مكان الجهال، فقال: هذا مكان الذي يعلم شيئاً ويجهل شيئاً، وأما الذي يعلم ولا يجهل فليس له مكان، وقال ابن وهب: لو أردُّتُ أن أنصرف كل يومٍ بألواحي ملأى عند مالك بن أنسٍ فيما يُسْأل، ويقول: ((لا أدري))، انصرفت بها.

أخيراً إذا كان نصف العلم لا أدري فأين نحن من النصف الآخر، وأن تكون مستمعاً وصامتاً أفضل لك من أن تتحدث بما لا تعلم، فكثرة الكلام تدل على عدم المعرفة وتوقعك في الخطأ، وأكثر الناس جهلاً من يناقش الأمور الصغيرة، وأقلهم حديثاً من تأخذ منه النصيحة في مكانها، فليس كل من تحدث عالماً وليس كل من سكت جاهلاً..

(لا تدعِ الإدراك وأنت جاهل .. فالجهل في بعض الأحيان إدراك).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store