Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

غرابة العطاء في بيوت الخلاء!

الحبر الأصفر

A A
لَيسَت هَذه المَرَّة الأُولَى التي أَكتُب فِيهَا عَن الحَمَّام، فهو «بَيتُ الرَّاحَة» كَمَا يَقول الأَمريكَان، أَو «بَيتُ الخَلَاء» -كَمَا تَقول العَرَب-، بمَعنَى أَنَّك تَرتَاح وتَخلو بنَفسِكَ، إذَا آويتَ إلَى هَذا الرُّكن المُهمّ مِن أَركَانِ البَيت، وقَد أُذيع سِرًّا هُنَا وأَقول: إنَّني أَحتَفظ بقَلَمٍ ووَرَقَة فِي بَيتِ الخَلَاء الخَاص بِي، حَتَّى أُسجّل الأَفكَار؛ التي لَا تَنتَظر الخرُوج مِن الحَمَّام، وأَعتَرف أَنَّ أَكثَر إنتَاجَاتي الأَدبيَّة وُلِدَت فِي هَذا المَكَان..!

إنَّ عَلَاقة الكُتَّاب والكَاتِبَات؛ والأُدبَاء والأَديبَات بالحَمَّام، لَيسَت عَلَاقَة عَاديَّة، وقَد اعتَرَف الكَاتِب السَّاخِر الكَبير «خالد القشطيني»؛ بأنَّ الحمَّام؛ هِي تِلك البُقعَة مِن الأَرض، التي شَهِدَت ولَادة أَكثَر مَقَالَاته..!

وحَتَّى نَعرف فَضْل الحَمّام عَلَى الإبدَاع، دَعونَا نَستَشهد بالرِّوَائيَّة العَالميَّة «أَجَاثَا كِريستي»، التي كَتَبَت نَحو 1000 رِوَايَة بُوليسيَّة، انتَشَرَت فِي الشَّرق والغَرب، وبِيعت مِنهَا عَشرَات المَلَايين، وكَسَبَت المُؤلِّفة مِنهَا مَلَايين الدُّولَارَات، حَتَّى أَنَّها امتَلكت عَشرَات القصُور، مِن مَداخِيل الكِتَابَة، ومَع هَذا، نَسمَع كَثيراً عِبَارة: «الكِتَابَة لَا تُؤكِّل عَيشاً»..!

يَقول الكَاتب العَريق، والصَّدوق الصَّديق «عبدالله باجبير»، عَن الظَّاهرة «الحَمَّاميَّة»، وعَلَاقتهَا بالأَديبَة «أَجَاثَا كريستي»: (الحَمَّام، هو أَهَم مَكان فِي كُلِّ القصُور، وقَد كَانت الأَديبَة «أَجَاثَا كريستي»؛ تَذهب بنَفسهَا إلَى القَصْر، قَبل أَنْ تَشتَريه، لتَطمئنّ عَلَى وجُود المُواصَفَات التي تُريدها فِي الحَمَّام، كَأن يَكون كَبيراً، وأَنْ يَكون فِيهِ «بَانيو» مِن الطِّرَاز القَديم، وأَنْ يَكون المَطبَخ مُتّسعاً، ويَطلُّ عَلَى حَديقَة، وبَعد تَوفُّر هَذه الشّروُط، لَيس مُهمًّا بَقية القَصْر، لأنَّ «أَجَاثَا» كَانَت تُؤلِّف كُتبهَا؛ وهي جَالِسَة فِي المِيَاه السَّاخِنَة فِي البَانيو، تَقضِي السَّاعَات الطُّوَال يَوميًّا، وهي تُفكِّر، وتَبحَث عَن «العُقدَة»، التي ستَدور حَولهَا قصّتها القَادِمَة، وهي تَفعل ذَلك شهُوراً مُتَّصِلَة، خَاصَّةً أَثنَاء نزُول المَطَر، أَمَّا إذَا أَشرَقَت الشَّمس، فإنَّها كَانَت تَخرج إلَى الحَديقَة، حَيثُ تَجلس لتَستَمتَع بالأَشعّة الدَّافِئَة، ثُمَّ تَدخُل المَطبَخ، وتَظلُّ ثَلاثة شهُور بَين الحَديقَة والمَطبخ، حَتَّى تَجِدُ الحَبكَة المُلَائِمَة: «الشِّتَاء كُله فِي الحَمَّام»، و»الصِّيف كُلَّه فِي المَطبخ»، وهُمَا بالطَّبع المَكَانَان اللَّذان تُفضّلهما المَرْأَة)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ أستَشهد بشَيخِنَا «أبي سفيان العاصي» حِينَ قَال:

يَا مَنْ تُريدُ حَلاَوَةَ الإِلْهَامِ

لاَ تَبْتَعِدْ عَنْ رَاحَةِ الحَمَّامِ!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store