Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

(درّاجة آدم عليه السلام)!!

A A
في ستينيات القرن الماضي، زار أحدُ الخيِّرين من صعيد مصر الأهرامات لأول مرّة في حياته، فأدهشته كثيرًا، غير أنّ نصّابًا ماكرًا لاحظه، فعرض عليه أن يبيعه إيّاها بما معه من مال أحضره من قريته البعيدة، فأعطاه الصعيدي المال فَرِحًا ومسرورًا وظانًّا بسذاجة أنّه اشتراها بالفعل، في أظرف عملية نصْب في التاريخ المصري!.

ونحن لسنا بمنأى عمّا يُشبِه هذا النصْب، ومقطع الفيديو الذي تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي عن زائر باكستاني يُصلّي في ميدان الدرّاجة في جدّة، هو دليل على ذلك، بعد أن أرشده إليه سائق تاكسي من بني جلدته، قائلًا له إنّ الدرّاجة الحديدية العملاقة تخصّ أبانا آدم عليه السلام، يعني كانت هناك «بُسكليتات» في زمن آدم عليه السلام تُقضى بها المشاوير، وأنّ للصلاة بجوارها أجرًا كبيرًا، فصدّقه الزائر غيرَ مُدرِكٍ أنّ السائق يستغلّ سذاجته وغيره من الزُوّار، وينصب عليهم بأنّ الدرّاجة أثر لأبي البشرية، كي يُضاعِف مشاوير اصطحابهم إليها، وبالتالي زيادة دخله المالي، لا أكثر ولا أقل!.

أنا، وبعد مُشاهدتي للمقطع، بدأْتُ أعذر جهاتنا المعنية بالآثار، وأقصد طبعًا الآثار الحقيقية، لا المعالم الحديثة مثل الدرّاجة، وأهمّها آثار السيرة النبوية المُطهّرة، التي لم تُشْهِرْها وتُفْصِح عنها جهاتنا بالقَدْر المأمول، طالما كان هناك جهل من بعض الناس كهذا، وسذاجة كهذه، ونصْب كهذا، ممّا لا مُحصّلة له سوى إخراج سياحة الآثار عن غايتها النبيلة، وهي الامتثال لأمر الله بالسير في الأرض، والنظر فيما خلّفه الأقدمون للعظة والذكرى، وعبادة الله وتوحيده الأهم من كلّ شيء!.

بَيْد أنّ هذا هو التحدّي الكبير الذي أتمنّى هزيمته، والمشكلة التي أتمنّى حلّها بنيّة تصفية اعتقاد الجهلة ومحاربة الخرافات، عبر الاهتمام الأشمل بآثار السيرة النبوية، وتطوير مواقعها بما يليق بها، وتوظيف المُرشِدين الشباب والشابات المؤهلين ثقافيًا وعلميًا للإرشاد السياحي النموذجي، وتوعية السُيّاح بالمعلومات التاريخية الصحيحة عن كلّ أثر، بلا تبرّك بها ولا تقديس إلّا لخالقها، وهذا هو السبيل الوحيد لحماية الناس من النصّابين الذين لم تسلم منهم درّاجة حديدية حديثة قد أوشكت على الصدأ، فما بالكم بآثار عظيمة ورّثها لنا الأوّلون.؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store