Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
إبراهيم محمد باداود

الواسطة وبرنامج التحول

A A
في الماضي كان البعض يعتقد بأن الواسطة هي السبيل الوحيد لإنهاء كافة معاملاته لدى الدوائر والجهات الحكومية وكذلك بعض شركات القطاع الخاص، وفي كل مرة يحتاج الإنسان أن يزور جهة ما فإن أول ما يسأل عنه ليس عنوان الجهة التي فيها المعاملة، أو أوقات العمل، ولكن يسأل عن من يعرف المسؤول الموجود هناك؟ ويبحث في المعارف والأقارب عن من له صلة به، حتى أصبحت الواسطة جزءاً رئيسياً من ثقافة المجتمع وساهمت من جانب آخر في تجاوز النظام والمساومة على تحقيق المصالح الفردية وانتشار الفساد وتجاهل الكفاءة والمعرفة والمهارات والقدرات وتفشي الإحباط والحد من تطوير الطاقات البشرية.

البعض يعتقد بأن الواسطة أمر مطلوب يجسد متانة العلاقة وقوة الترابط بين فئات المجتمع بشكل عام وأفراد الأسرة الواحدة بشكل خاص، ويفسر البعض طلب الواسطة بتعاريف وتفسيرات متنوعة منها أن الواسطة كالشفاعة الحسنة والتي يتم من خلالها مساعدة الناس في الوصول إلى حقوقهم وقضاء حاجاتهم ودفع الظلم عنهم والإصلاح فيما بينهم، في حين أن حقيقة (الواسطة) غير ذلك تماماً إذ فيها اعتداء على حقوق الآخرين وظلم لهم من خلال تقديم شخص على آخر في استحقاق ما أو إعطائه ما لا يستحق أو إحداث ضرر بالمصلحة العامة، في حين يرى البعض بأن الواسطة مثل التزكية والتي يمكن أن تساهم في دعم بعض المواضيع وإنجازها.

الصورة الذهنية للواسطة في مجتمعنا أصبحت متغلغلة وبأشكال مختلفة فصار الكثير منا يؤمن بأن لاسبيل للوصول إلى الحق أو للترشيح مثلاً لوظيفة شاغرة في مكان ما إلا من خلال الواسطة، بالرغم من أن بعض هؤلاء المرشحين قد يكونون من الأكفاء والمؤهلين لتلك الشواغر غير أنهم أصبحوا يستبعدون خيار العدالة في التعيين وأصبح لديهم اعتقاد مسبق بأن من لديه الواسطة والمحسوبية هو الذي سيظفر بالوظيفة، ويصبح سائداً لدى المجتمع بأن العمل على تكوين العلاقات والصلات والروابط أفضل بكثير من أن يقضي الإنسان سنين ليطور من ثقافته وقدراته ويحصل على الشهادات العلمية الكبرى.

تعيش المملكة اليوم عصرًا جديدًا متميزًا انطلقت من خلاله ببرنامج التحول الوطني والذي نأمل أن تساهم مبادراته وبرامجه في القضاء على (الواسطة) وتفعيل الأنظمة التي تواجه هذه السلوكيات وتشديد الجزاءات لتعزيز الثقة بالدوائر الحكومية والخاصة، ولعل التعاملات الإلكترونية والتي تبنتها العديد من الجهات الحكومية اليوم ستساهم بشكل كبير في تعزيز مبدأ الشفافية والثقة في تلك الجهات المختلفة، كما أن تفعيل الرقابة الداخلية وسن الأنظمة والقوانين التي تجرم الواسطة وإصدار الأحكام بالتشهير بأصحابها هي من أساليب الردع التي قد تساهم في مكافحة مثل هذا الداء والحد من انتشاره بشكل كبير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store