ولنا في الاشتقاق تجديد وانعتاق



إذَا أَردنَا للُغَتِنَا العَربيَّة أَنْ تَتطوَّر؛ فلَابدَّ أَنْ نُوسِّع بَاب «الاشتِقَاق»، الذي يَعتَمد عَلى «القيَاس»، ولَا يَكتفي بالسَّمَاع، لأنَّ بَعض فَلاسفتنا وأَسَاتذتنا في اللُّغة، أَغلَقوا بَاب «الاشتقَاق»، كَمَا أَغْلَق الفُقهَاء بَاب «الاجتِهَاد» في الفِقه..!


دَعونَا فِي البدَاية نُعرِّف «الاشتقَاق»، وهو تَوليد عِدَّة كَلِمَات مِن جَذرٍ لُغوي وَاحِد، فمَثلاً: الفِعل «كتَبَ»، جَذره اللُّغوي «الكَاف والتَّاء والبَاء»، لِذَا نَستَطيع أَنْ نَشتقُّ مِنه «يَكتب، وكِتَاب، ومَكتوب، ومَكتبَة، ومَكتَب، وكَتَّاب، وكُتَّاب، وكَاتِب، وكُتب، ومُكَاتبة، ... إلخ، كُلّ هَذه الاشتقَاقَات مِن جَذرٍ لُغوي وَاحد.. وهَكَذا يُعَدُّ الاشتقَاق إضَافةً للُّغَة، وإحيَاءً لَهَا، ولَكن شَيخنا العَالَم اللُّغوي «ابن فارس»، لَه رَأيٌ آخَر يَقول فِيهِ: (لَيس لَنَا اليَوم أَنْ نَختَرع؛ ولَا أَنْ نَقول غَير مَا قَالوه، ولَا أَنْ نَقيس قِيَاسًا لَم يَقيسوه، لأنَّ فِي ذَلك فَسَاد اللُّغَة، وبُطلَان حَقَائقها)..!

هَذا الكَلام لَم يَعجب الكَثيرين مِن أَهْل اللُّغة، والغَيورين عَليها، ولَعلَّ آخرهم فِي هَذا الزَّمَان، الشَّاعر الكَبير «معروف الرصافي»، حَيثُ قَال فِي كِتَابه «الآلَة والأدَاة»: (كَلَام «ابن فارس» لَيس بشَيء. ويَا لَيتَ شعري أَي فَسَاد يَحصل في اللُّغة، إذَا قُلنا «مَنفوع» مِن نَفع، وقَد صَرَّح «أبوحيَّان» أنَّه لَا يُقال مَنفوع مِن نَفع، لأنَّه غَير مَسموع.. وأَي فَسَاد يَحصل فِي اللُّغَة، إذَا قُلنَا مِن الفَهم «انفَهم»، أَو قُلنَا مِن السَّخط «سَخَّط»، بتَشديد الخَاء، وقَد ذَكروا في كُتب اللُّغة أَنْ ذَلك لَا يُقال لأنَّه غَير مَسموع..!!


وأَي فَسَاد يَحصل في اللُّغَة، إذَا قُلنا مِن الحصُول «استَحصَل»، ومِن الحَصَانَة، أَو الحِصن «استَحْصَن»، ولَم أرَ في كُتب اللُّغَة مَن ذَكرهما، لأنَّهما غَير مَسموعين.. بَل إنَّما الفَسَاد -كُلّ الفَسَاد- في مَنع ذَلك كُلّه، لأنَّه بمَنعه يَختلّ القِيَاس، واختِلَال قِيَاس اللُّغة في تَوليد كَلِمَاتها، أَجْدَر أَن يُعدُّ مِن الفَسَاد فِيهَا)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ نُؤكِّد ونَقول: إذَا أَردنَا للُغَتِنَا أَنْ تَتطوَّر، فيَجب أَنْ نَفتَح بَاب الاشتقَاق، ولَا نَتوقَّف عَلى السَّمَاع، بَل نَقيس ونَشتَق، وسأَكون أَوّل المُتهوّرين، وأُضيف إلَى اللُّغَة العَربية فِعل «سَنَّبَ يُسَنِّبُ تَسْنِيبًا»، أَي صَوّر نَفسه بـ»سنَاب شَات»، ويُقال: رَجُلٌ سَنَّاب، وامرَأةٌ سنَّابة، عَلى وَزن: رَجُلٌ كَذَّاب وامرَأةٌ كَذَّابة. وقَد عَلّمتُ أَحدَهم كَيف يَستَخدم «السنَاب شَات»، فلَمَا أَجَاده شَتَمني فقُلت:

أُعلِّمُه السِّنابَةَ كُـلَّ يَومٍ

فلمَّا صَارَ سنَّابًا هَجَانِي!!

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»