غزارة الكفحلة تدل على البهللة!!

يَتمتَّع العَقل العَربي بمَآسٍ كَثيرة يَصعب تِعدَادهَا، لِذَلك دَعوني أُسلِّط الضَّوء عَلى قَضيَّة وَاحِدَة أُسمِّيها: الاعتمَاد عَلى الذَّاكِرَة وإلغَاء الوَاقِع، وهَذا كَلام فِيهِ شَيءٌ مِن الغمُوض، ولَن يَتَّضح إلَّا بالمِثَال:

أوَّلاً: تَعوَّد الشَّاعِر -فِي المَاضِي- أَنْ يَمدَح مَعارك قَومه بالسَّيف والرُّمح وقوّة الفَرَس، وهَذه الأَوصَاف كَانت مَقبولَة فِي زَمنها، أمَّا الآن، فهَذا الوَصف غَير لَائِق، لأنَّه لَا يُوجد إلَّا فِي خَيَال وكِتَابَات وأَشعَار القَوم الأوّلين، ولَكم أَنْ تَتخيَّلوا شَاعِراً مِثل «أبو سميرة»، محمود سامي البارودي، وهو يَمدح مَعارك مِصر بقوّة السّيوف والرِّمَاح، رَغَم أَنَّ الأدوَات المُستخدمَة فِي الحرُوب الحَديثة هِي: الدَّبَابَات والطَّائِرَات والبَوارج الحَربيَّة..!


ثَانياً: تَعوَّد النَّاس أَنْ يَقولوا: «كيف حَالك»، «كيف أَخبَارك»، «كيف أمُورك»، إلَى آخَر حِزمة «الكَفحَلة» المُستَشريَة فِي المُجتَمع السّعودي، وقَد اعتَاد النَّاس عَلى هَذه الأَسئِلَة، وتَبرمَجوا عَليهَا، لأنَّها مُخزَّنة فِي الذَّاكِرَة، ويُردِّدونهَا بشَكلٍ رُوتيني، وآلِي وتِلقَائي مِن غَير وَعي، ومِثل هَذه الأَسئِلَة يَجب أَن تُلغَى الآن؛ فِي عَصر التَّواصُل الاجتمَاعي، خَاصَّة أَنَّ مُستَخدم وسَائِل التَّواصُل؛ يَكتب فِي خَانة الحَالَة أنَّه «مُتَّصل»، وهَذه الإشَارة تَدلُّ عَلَى أنَّه بخَيرٍ وعَافية، ولَا حَاجَة لإغرَاقه بسَيل عِبَارَات «الكَفْحَلَة»، آنَاء اللَّيل وأطرَاف النَّهار..!

الأغرَب مِن ذَلك، أَنَّ آلَاف المُتَابعين لِي فِي وَسَائِل التَّواصُل، مِثل «سنَاب شَات» و»وَاتس أب» و»تَويتر»، يَرون صُورتي أَمَامهم بخَيرٍ وعَافية، ويُشَاهدونني –


عَلى الهَوَاء مُبَاشرةً- أَقفِز مِن مَكانٍ إلَى مَكان، وكَأنَّني فَأرة مُستودع، ومَع هَذا يَسألُونَني: «كيف حَالَك»، و»كيف صحّتك»، و»كيف دُنيَاك»، و»كيف أَصبَحت»، و»كيف أمُورك»، ثُمَّ «كيف أَحوَالك»... إلخ، وكَأنَّ الذي يَظهر فِي الصُّور والمَقَاطِع أَمَامهم لَيس أَنَا، بَل شَيطَاني أَو خَيَالي أَو ظِلِّي..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: يَا قَوم، أُوصيكم –ونَفسِي- بتَقوَى الله، ثُمَّ التَّفكير بالأشيَاء قَبل عَملهَا، واسأَلوا أَنفسكُم عَن جَدوَى أَفعالكُم، وفعِّلوا خَاصيَّة مَا يُسمَّى فِي عِلم المَنطِق: بـ»العَلَاقة بَين التَّفكير واللُّغَة»، بمَعنَى: هَل الإنسَان يُفكِّر فِيمَا يَتكلَّم، أَمْ يَتكلَّم فِيمَا يُفكِّر..؟!!

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»