تفريغ المبدِع.. مفهوم مدقِع!

كَثُر الكَلَام عَن الوَظيفَة، وأَنَّها تَسلب مِن الإنسَان عُمره ووَقته، وكُلُّ النَّاس تَحفظ عِبَارة شَيخنا «العقَّاد» حِين قَال: (إنَّ الوَظيفَة هي عبُوديّة القَرن العِشرين).. ولَكنَّنا نَنسَى - ونَحنُ نَعيش التَّذمُّر والتَّشكِّي مِن الوَظيفَة- تِلك الإيجَابيَّات والمَحَاسِن؛ التي تَعلَّمنَاهَا مِن الوَظيفَة، أَو عَلى الأَصَحِّ أَجبَرتنا الوَظيفَة عَلى تَعلُّمهَا..!

وإذَا كَان تَضجُّر النَّاس- بشَكلٍ عَام- مِن الوَظيفَة؛ مَوضوعًا مَطروحًا للنِّقَاش، فإنَّ تَأثير الوَظيفَة عَلى المُبدع والفَنَّان، يُطرَح بشَكلٍ خَاص، وبطَريقةٍ أَدقّ، وأَعنِي بِهِ المُطَالبة بتَفريغ المُبدِع مِن الوَظيفَة، ومَنحه الوَقت الكَافي لكَي يَتحرَّك فِي فَضَائِه، ويُبدع ويَكتب..!


مِن البِدَاية، أُعلِن رَفضي لتَفريغ المُبدعين، لأنَّ كُلّ الذين تَفرَّغوا؛ لَم يَأتوا بمَا يُوازي هَذا التَّفرُّغ، فِي المُقَابل، نَجد أنَّ الذين لَم يَتفرَّغوا قَد أَتُوا بالجَديد، حَتَّى وَصلُوا إلَى جَائِزة «نُوبل»، مِثل الأَديب الكَبير «نجيب محفوظ»، الذي يَقول فِي مُذكّراته: (أَعطَتني حَيَاتي فِي الوَظيفَة مَادَّة إنسَانيَّة عَظيمَة، وأَمدَّتني بنَماذجٍ بَشريَّة لَهَا أَكثَر مِن أَثَر فِي كِتَابَاتي، ولَكن الوَظيفَة نَفسها- كنَظام حيَاة وطَريقة لكَسْب الرِّزق- لَهَا أَثرٌ ضَار، أَو يَبدو كَذلك، فلقَد أَخَذَت الوَظيفَة نِصف يَومي، ولمُدَّة 37 سَنَة، وفِي هَذا ظُلمٌ كَبير، ولَكن الوَظيفَة فِي الوَقت نَفسه، عَلَّمتني النِّظَام، والحِرص عَلَى أَنْ أَستَغل بَقيّة يَومي فِي العَمَل الأَدبي، قِرَاءةً وكِتَابة، وجَعلتني أَستَغل كُلّ دَقيقَة فِي حيَاتي، بطَريقةٍ مُنظَّمة، مَع عَدم تَجَاهُل أَوقَات الرَّاحة والتَّرفيه، وهَذا فِي تَصوُّري، إيجَابي للوَظيفَة، فِي ظِلِّ ظرُوف المُجتَمع الذي نَعيش فِيهِ، فمِن المُستَحيل أَنْ يَتفرَّغ الأَديب فِي مِصر. ولَو كُنَّا مِثل أُوربَا، وصَدَر لِي كِتَاب مُميَّز، لتَغيَّرت حَيَاتي، وكُنتُ استَقَلْتُ مِن الوَظيفَة، وتَفرَّغتُ للأَدَب، لأنَّ الكِتَاب المُتميِّز يُحقِّق إيرَادًا؛ يَكفي لاتّخاذ مِثل هَذه الخُطوَة)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!


بَقي أَنْ نَقول: إنَّ الوَظيفَة تُعطي بقَدر مَا تَأخُذ، وتُعلِّمنا الانضبَاط والالتزَام، وخَيرُ مِثَال عَلَى هَذا، شَيخنا «نجيب محفوظ»، وأَديبنَا الكَبير «غازي القصيبي» -رَحمهمَا الله-، فهُمَا ممَّن يَنطَبق عَليهم المَثَل الإنجليزي القَائِل: «إذَا أَرَدْتَ أَنْ تُنجز عَملًا مُهمًّا، فكَلِّف بِهِ رَجُلًا مَشغُولًا»..!!

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»